حنانا أخلائي فقد شفني البعد

حَناناً أَخِلّائي فَقَد شَفَّني البُعدُ

وَما عادِلي شافَ سِوى قُربِكُم بَعدُ

عَهِدتُ بِكُم صَفوَ الوِدادِ فَما لَهُ

تَكَدَّرَ بَعدَ الصَفوِ وَاِنتَقَضَ العَهدُ

فَيا سوءَ حَظّي أَن قَضَيتُم بِجَفوَتي

وَيا طولَ لَيلٍ فيهِ يَحتَكِمُ السُهدُ

وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحَرّانِ يَرى

إِلَيهِ صَديقاً لا يَدومُ لَهُ وُدُّ

عَلى أَنَّهُ يَلقى عَلى رَغمِ أَنفِهِ

عَدّوا لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ

يَروحُ وَيَغدو كارِهاً لِلِقائِهِ

وَذاكَ عَتلٌ لا يَروحُ وَلا يَغدو

وَيُبعِدُ عَنهُ ما اِستَطاعَ تَحَرُّزاً

وَتَجمَعُ الأَيّامُ وَالزَمَنُ النَكَدُ

لَكَالحَمدُ أَمّا مِن نَحُبُّ فلا نَرى

وَلَيتَ عَلَينا الدَهرُ بِالسوءِ لا يَعدو

فَنَسمَعُ مالاً نَرتَضي مِن مَكارِهِ

وَنَظُرُ ما لا نَشتَهي فَلَكَ الحَمدُ

وَلَكِنَّها الأَقدارُ تَجري كَما تَشا

فَهَذا لَهُ دُرٌّ وَهَذا لَهُ رَدُّ

وَهَذا لَهُ صَحبٌ بِهِم صارَ هائِماً

وَذاكَ لَهُ صَحبُ بَهائِمٍ إِن عَدّوا

فَكُن أَيُّها القَلبُ المُعَنَّفُ صابِراً

وَلا تَبتَئِس فَالنازِلاتِ لَها حَدُّ

فَيَومٌ إِلى الحَظوى وَيَومٌ إِلى الأَسى

وَعِندَ اِشتِدادِ الخَطبِ يَستَعمِلُ الجَدُّ

وَغَيرَ بَعيدٍ اَن تَنالَكَ غَبطَةً

إِذا دامَ مِنكَ الحَزمُ وَاِتَّجَهَ الجَهدُ

فَما كُلُّ مَظلومٍ يَدومُ اِضطِهادَهُ

وَما كُلُّ ذي الحَزمِ سَيُخطِئُهُ القَصدُ

وَما الباسُ إِلّا لِلمُجِدّينَ مَركَبُ

وَما اليَأسُ إِلّا لِلقَواعِدِ مُعتَدُ

وَأَنّى يَكونُ السُخطُ يَنتَظِرُ الرِضا

وَمَهما يَكُن جَزرٌ سَيَعقِبُهُ مَدُّ

وَما الفَلَكُ إِلّا الأَعلى هَدَيتَ مُسمِرُ

وَلا مَطلَعُ الإِقابلِ مِن دونِهِ سَدُّ

وَلا سِيَّما إِن كُنتَ تَقصِدُ أَحمَدا

هُنالِكَ تُلقي الجَدَّ يَتبَعُهُ المَجدُ

كَريمٌ لَهُ في المَكرُماتِ مَناهِلُ

وُروداً بِها الصادونَ إِذ عَذَّبَ الوَردُ

تَكونُ مِنها رَوضَ أَنعَمَ فَضلِهِ

وَفَتحٌ فيها مِن مَحاسِنِهِ الوَردُ

يُحيطُ بِها سورُ السَعادَةِ شامِخاً

وَيَطرَبُ فيها بُلبُلُ اليَمَنِ إِذا يَشدو

فَكُلُّ عَلاءٍ دونَ عَليائِهِ هَوا

وَكُلُّ بِناءٍ دونَ بُنيانِهِ هَدُّ

هُوَ البَدرُ لَكِنَّ الكَمالَ رَفيقُهُ

هُوَ المُشتَري قَدراً مَنازِلُهُ السَعدُ

لَهُ خَلقٌ كَالروحِ تُحيي الَّذي بِهِ

وَلُطفٌ وَذَوقٌ مِنهُما يَقطِرُ الشَهدُ

وَحُسنُ ذَكاءٍ لَستُ أَعهَدُ مِثلَهُ

فَيَعلَمُ مِنكَ القَولُ مِن قَبلُ أَن يَبدو

وَتَعشَقُهُ العَليا وَتُعطيهِ حَلِيَّها

فَمِن دُرِّها الغالي عَلى جيدِهِ عِقدُ

وَتَرمُقُهُ عَينُ العِنايَةِ بِالصَفا

فَيُمسي وَيَغدو وَالسَلامُ لَهُ مَهدُ

أَلَم تَرَهُ وَالفَوزُ تَحتَ رِكابِهِ

لَهُ فَوقَ بُرجِ النَصرِ قَر رَفَعَ البَندُ

وَفي كُلِّ نادٍ ذِكرُهُ عاطِرُ الثَنا

وَفي كُلِّ وادٍ لا يَزالُ لَهُ حَمدُ

فَيا عاذِلي في وُدِّهِ وَاِمتِداحِهِ

تَأنَّ فاني عَنهُما لَستُ أَرتَدُ

أَبى اللَهُ إِلّا أَن أَكونَ مُحِبُّهُ

فَشَخصي لَهُ خَدنٌ وَشِعري لَهُ عَبدُ

وَتَجعَلُني اَثني عَلى حُسنِ صُنعِهِ

إِيادٌ لَهُ عِندي يَضيقُ لَها العَدُّ

وَماذا عَساني آتِياً في مَديحِهِ

وَمَعدِنُهُ دُرٌّ وَجَوهَرُهُ فَردُ

فَبَلِّغهُ عَنّي يا نَسيمَ تَحِيَّةٍ

يَشوقُ لَها خَيري وَيَحسُدُها نَدُّ

وَدَع ذِكرَ أَشواقي لَئِلّا تَهولُهُ

وَخَلِّ الَّذي في القَلبِ في القَلبِ يَشتَدُّ