سيرة الأرض

اجلسْ قليلا..

فما ضاقَ الرصيفُ بنا

والساعةُ الآن..

(ليلٌ باردٌ..وأنا)

دخِّنْ معِي نجمةً أخرى

فإنْ نفدتْ تلك السماءُ..

ففي تَبْغِ العراءِ غِنَى

عَشاؤنا..كِسْرةٌ مِنْ ليلِ غُربتِنا

وماؤنا..موعدٌ بالصبحِ قد أسِنا

فلنقترحْ نخبَ مصباحين

قد سَهِرا جوارَنا

وأراقا الليلَ والوَسَنا

وقد نُدَنْدِنُ..

كي تعتادَ وحشتَنا هذي المدينةُ

أو نعتادَها شَجَنا

وقد نُرتِّبُ فوضى غيمةٍ كُسِرَتْ

لكي نَلُمَّ حُطاما كانَ يشبِهُنا

ونَحْتفِي بالصديقِ البَرْدِ

نمنحُه دفءَ البيوتِ

وإسفلت الطريقِ لنا

اجلسْ معي..

ريثما نبتاعُ أوجهَنا

مِنَ البلادِ التي شاختْ ولم تَرَنا

مِتنا كثيرا..

ولا قبرٌ نعيشُ به

سوى الرصيفِ

أَلِفْنا جنبَه الخَشِنا

مُذْ صارت الأرضُ أسمالا نُرقِّعُها

ولم تعدْ عَوْرةُ الإسفلتِ تُخجلُنا

صرنا نُصدِّقُ

جُغْرافيا مواجعِنا

وصارَ كلُّ قصيدٍ نازفٍ سكنا

نباركُ النارَ

ما يكفي لتُحرقَنا

ونرتديها قصيدا

ثائرا

حَرِنا

صوتي..

بطولِ رصيفِ الحزنِ في وطني

يجرُّ منذ افترقنا خلفنا المُدنا

سئمتُ طاووسَ شِعرٍ

لم يذُقْ ألمًا

ولم يُحطِّمْ على أوراقِه الوثنا

ولم يعشْ غربةَ الإنسانِ في وطنٍ

وغربةَ الأرضِ

إنْ لم تصبحِ الوطنا

ولم يبتْ يصطلي

عُريا ومسغبةً

فيحرقُ الصمتَ في الأوراقِ والعَلَنا

أعلى مشانقِ هذي الأرضِ قافيةٌ

تدينُ عصرَ سفاحٍ

لم تجدْ أُذُنا

رفعتُها..

وعليها الكونُ يصلبُني

وألفُ ألفِ مسيحٍ

قبليَ امْتُحِنا

اجلسْ..

تَقُصَّ علينا الأرضُ

مَنْ وأَدَتْ منَّا

ومَنْ في عراءٍ شاسعٍ سُجِنا

مَنْ عاشَ يُطْعَمُ خبزَ الموتِ مِنْ يدِها

وينهشُ القبرُ منه الروحَ والبَدَنا

وعَنْ قتيلٍ..

له قبرٌ يلوذُ بهِ

وقاتلٍ..

لم يجدْ قبرا به أمِنا

ودائبٍ في فخاخِ الموتِ ينصبُها

لم يَدْرِ في أيِّ فخٍّ موتُه كمنا

وعَنْ دفينٍ

يخونُ القبرَ مِنْ زَمَنٍ

ومَيِّتٍ..

منذُ كانَ الموتُ ما دُفِنا

وطاعنٍ في رحيلٍ لا شفاءَ له

كأنَّه بالجِهَاتِ السِّتِّ قد طُعِنا

وسائلٍ شَيْبةَ المِرْآةِ عَنْ وطنٍ

مِنْ أربعينَ اغترابا ضلَّ منه هنا

وخاسرٍ نَرْدَ هذي الأرضِ

يحملُه تِيهٌ

وينزفُه تِيهٌ..

ولا ثمنا

يمشي..

ويحملُ عِبْءَ العُمرِ

أشرعةً خرقاءَ..

لم تبتكرْ بحرا ولا سُفُنا

وكلَّما سألتْه الأرضُ

قالَ لها..

مَنْ يحملِ القبرَ..

لا يستثقلِ الكفنا.