وصايا أنس

وأنا أهوي من أعلي درجٍ

شفتُ الكرةَ تزغردُ في الشبكة من ركلة حريفٍ،

فكتبت علي الصفحة:

لفوني في علم بلادي مصر.

وحين انغرزتْ بضلوعي مطواةٌ

قلت لصاحب أيامي:

لا يخرج جثماني إلا من ميدان التحرير:

بصينيته انبحَّ الصوتُ،

وفيه الصحبةُ حملتني فوق الأكتافِ،

وفيه انضمَّ الدمّْ إلي الدمِّ علي الكوبري،

فالميدان أبو الأمكنةِ.

أنا أنسُ المؤنسُ والمستأنسُ،

سنواتي الأربعُ بعد العشر موزّعةٌ بين

النورسِ والنورسِ،

كان أميرُ قلوبِ الصبيانِ يغازل ساحرةً

متدّورةً،

ويراوغ نصفَ دفاعِ الخصم بمعلمةٍ،

حين انقضّتْ أسياخُ حديدٍ في أمّ دماغي،

غام الكونُ بعيني فشفتُ الفانلاتِ الحمراءَ

تسرسبُ ورداً بلدياً فوق الأسطحِ،

والسروالَ الأبيضَ يشبه جنّةَ رضوانِ،

فحفرتُ علي الكرسي:

خذوا القرنيةَ من عيني اليمني،

والقرنيةَ من عيني اليسري،

أعطوا الأولي لمصابٍ بيناير،

والأخري لمصابٍ في نوفمبر،

حتي يبصرَ الاثنانِ معا: نصف الأملِ

ونصف اليأسِ.

لماذا غُلقت الأبوابُ المفتوحةُ؟

كان الليبرو يصنع سدّاً في وجه الطوفانِ،

فقلتُ لنفسي:

هذي مصيدةُ المستقبل،

صرختنا كانت في الميدان مدويةً،

فالميدانُ أبو الأمكنةِ،

وحين احتملوني للمشرحةِ سمعتُ الحريفَ

يلقّن أذني شهادةَ سفري:

«لا ربَّ سوي الربِّ،

ومبعوثُ الله محمد»،

حينئذٍ: كان دفاعُ فريقي مضغوطاً

بهجوم الجبهةِ،

والخصمُ تسلّلَ خلفَ خطوط البوغازِ،

فما عاد اللعبُ نظيفاً،

مع أن الفلاحين بأجسادهم المجلودةِ

حفروا في الصحراء قناةً

لوصالٍ بين البحر وبين البحرِ.

لماذا فُتحِّتْ الأبوابُ المغلوقةُ؟

يتلّثم وجهٌ إذ ينكشفُ الخنجرٌ،

فكتبتُ بتغريدةِ تِرحالي:

هاكم فصَّ الكبدِ بكبدي،

لفتي من موقعةِ الجملِ،

اندكّتْ في رئتيه سنابكُ خيلٍ،

أو نزفتْ منه الأحشاءُ بفعل اليوتوبيا.

وأنا أهوي من أعلي درجٍ،

قابلني الجزارونَ،

وحكَمُ الساحة، وحكمدارُ العاصمةِ،

وكذابّون بنسرِ فوق الكتفِ،

ومشنوقونَ علي مقعدهم،

وجنيهاتٌ طائرةٌ فوق المقصورة.

فأنا أنسُ المؤنسُ والمستأنسُ،

لما قطمَ الهجّامون الطعاّنون رقابَ صحابي

كانت كرةٌ خضراءُ تهيمُ محلقّةً

بسماء الدلتا،*

يتساقط منها رهبانٌ مقطوعو الأذرعِ،

وعرائسُ مبتوراتُ الأرجلِ،

كنتُ أشاهدُ بين اليقظةِ والنومِ:

الشرطي،

وچنرالاً حربياً،

وشيوخآً بعلاماتِ صلاةٍ،

يدورون بحلقة. ذكر فوق نجيل الملعب،

قلتُ لمن يهمس في أذني:

التصويباتُ سديداتٌ،

والتكتيكُ رفيعٌ،

فخذوا ماءَ نخاعي للمشلولِ

إذا دهستْه الدبابةُ في ماسبيرو.

هذي مصيدةُ المستقبل،

كنا أعلينا في الميدان الصرخةَ،

فالميدانُ أبو الأمكنة.

لماذا انطفأ القنديلُ؟

وحين حواني صندوقُ الديزلِ،

شفتُ التمريرات البينيةَ متقنةً

من خطّ الوسط إلي الهدّافينَ، كعزف العازفِ،

وأنا أنسُ المؤنسُ والمستأنسُ،

سنواتي الأربعُ بعد العشر غدتْ بقعاً

فوق قميصي،

فغفوتُ،

وشاهدتُ الحرّيفَ يلوّح لي،

ساعتها: أسندتُ العنقَ المقطومَ إلي خشبِ الصندوقِ،

وخربشتُ عليه ختامَ وصاياي لأصحابي:

قولوا لأبي المتفجِّعِ،

ولأمي المتفجِّعةِ:

سَمَاح