من بعد حمزة يحمي حوزة الأدب

مَن بعدَ حمزة يحمي حوزةَ الأدبِ

ومَن يذود الردى عن ألسن العربِ

ومن لِقيد شَرودٍ من أوابدها

مِن ساربٍ في مراعيه ومنسربِ

وللغرائب تأتي في رسائلهُ

طوعاً وتعنو له في الشعر والخطب

إن رامها لمقال مه مرتجلٍ

لبّت وإن تدعُها أقلامهُ تُجب

يكسو المعانيَ إن عنَّت له كلماً

كأنما أدخر الألفاظ في عُلبِ

قد جدّ في لغة الإعرابِ من صغرِ

فأوتيَ الحكمَ في الإعرابِ وهو صبي

واستعذب الدأبَ في استيضاحِ غامضها

كأنه عنده ضرْب من الضرَبِ

فملكتَّهُ عنانَ الأمرِ وامتزجتْ

لدى كهولتهِ باللحم والعصبِ

إذا أحس شُعُوبيًّا يعارضها

في مجدها ملَكتهُ سورةُ الغضبِ

وذاد عن حوضها فوراً بحجته

ذيادَ مَن إن رمى عن قوسهِ يُصِبِ

وساق في الحال شتى من محاسنها

لم تعرف العجْم ما فيها من العجبِ

وقال هات المسمَّى وهو مجتلبٌ

وخذ من اللغة اسماً غير مجتلبِ

ما عابها محدثاتٌ في الصناعةلم

يدْرِالوجودُ بها في ذلك الحقبِ

يجيب سائلَه عن كل مقترحٍ

حتى يقرّ له بالفوز الغلَبِ

أودَى فيا شدّ ما جاء النعيّ به

على النفوسِ ويا للوَيل والحربِ

لهْفي على بحر فضل غاض زاخره

لهفي على كنز علمٍ غاب في الترَبِ

يا طالما خطَب العلياء مقتعداً

بطنَ السفين وظهر العيس والقتَبِ

مصرٌ وتونسُ والسودانُ تعرفهُ

كم سار في صعَدٍ منها وفي صبب

وفي السويد بدا الناس سؤددُه

ونال بين أُوربّا منتهى الأربِ

سعى من الشرقِ يبغي خبر مؤتمر

في الغربِ محتقباً ما شاء من أهَبِ

ونحن كنا إذا سرنا نحُفُّ به

كما تحفُ نجوم الليل بالقطُبِ

فافهم القومَ أن العلم طِلْبتنا

وأن شمس العلا في مصرَ لم تغِبِ

ما كان أملأَ للعينينِ طلعتُه

إذا بدا في حُلَى أثوابهُ القشبِ

كم في فينَّا وفي استكهلمَ صورَّه

مصورو القوم عن بعدٍ وعن كثبِ

وكم أحاط بنا خلْقٌ تسائلنا

من كل منجذبٍ في إثْر منجذبِ

مليك أي بلاد ذاك قلت لهم

هذا الإمام مليكُ العلم والأدبِ

لم أنسَ إذ زرتهُ في البيت منفرداً

يوماً لأدعوَه للمجمع العربي

فقلت أدعوكَ للجليَّ فأنت لها

أهلٌ وأحوَزُنا في السبق للقصبِ

فقال ينكر مني ما أحاوله

لمن تجدّ وجُل الناس في لعبِ

فقلت مولاي قد خرّجتَ نابتةً

فيما مضى يا لهم من فتيةٍ نُجبِ

نهضتَ بالعلم فيهم نهضةً عجباً

حاشا يضيع الذي كابدتَ من تعبِ

فابرنشَق الشيخ من قولي وقال نعم

لكنه منصِبٌ يحتاج للنصَبِ

طال المسير وقد مسَّ العيونَ قذىً

من القديح ونضوي ناءَ من لغَبِ

خليفتي أنت فانهض باللغَى معهم

وأدأب فإنكَ مطبوع على الدأبِ

فقلت مَن عجم الأعوادِ مختبراً

أحوالها ماز بين النبع والغرَبِ

فكان أصعبَ شيءٍ أن رجعت لهم

وقلت إنيَ قد أخفقت في طلبي

لو ساعد الحظُ والأستاذُ أسعفنا

كنا غنِينا عن التنقيب في الكتُبِ

فالمجمعُ الآن يبكي حسرةً وأسىً

ويشتكي حُرَقَ الأحزانِ والوصبِ

لكن سنصبر للبلوى على مضضٍ

ونستعيذُ من الأرزاء والنُوَبِ

ونسأل الله توفيقاً يحركنا

فيما عُنينا به للأخذ بالسبب

نمشي الهُوَيْنَى على مقدار طاقتنا

ومن تيمّم وجهَ الله لم يخبِ

سقى ثراه من الوسميَّ مهمرٌ

وجادَ مضجعَه غادٍ من السحبِ

وعوض الله مصراً عن خسارتها

خيراً كثيراً ونجاها من الكربِ