ذهاب بلا إياب

و مات الصيفُ

و انصرمت ليالي الفلِّ والعنابْ

و ضاعت دميةٌ حلوهْ

جعلتُ لها

ضفافَ الروح أرجوحهْ

نسجتُ لشعرها الذهبي

من مَهوى خيوط الشمس

أصبوحهْ

و بتُّ أماسياً خضراء أحرسها

فكانت

في شقاء العمر مسفوحه

أتذكرها ؟ … …

….

رسمتُ لحسنها حسناً خيالياً

ترفرف ريشةُ العنقاء

في إغراء قَسْماتهْ

و صغتُ كواكب الشطآن

حباتٍ من المرجان

أنثرها على شطآن بسْماتهْ

و لملمتُ الغداةَ لها

شَتاتَ الحُلم

من وحي الهوى العذريّ ..

من عُزّاه .. أوْ لاتِهْ

أهَدْهِدُها ..

فمن إلياذةِ الأشجار زنبقة ٌ

و من معزوفةِ الأطيار أنشودهْ

أتذكرها ؟ … …

….

و ذاتَ صبيحة سوداءْ

رفعتُ يديّ للشِّعرى

إلى الجوزاء ..

و العذرا

كلِّ الأنجم المعبودة الأخرى

و لما يأسيَ استشرى

بكت عينايَ أزهارا

بكت شهباً و أقمارا

بكت نارا …

و صغت الدمع أحجارا

رجمتُ

_ على نفاسته _ به العارا

و من أسفي

قضمت أصابعي العشرا

و لم تفتأ غياهب ليلتي السوداء

تأبى الطي والنشرا

أتذكرها ؟ … …

….

أتذكر قُبلةً عذراء

أحيت يابس الدنيا بأعماقكْ ؟

أتذكر مَسَّ كفين ِ

استمد كيانُك الظمآن منها

دفء آفاقك ؟

أتذكر نبعةً رَيّا

و عذبُ نميرها الرقراق ِ

يسقي وردَ إشراقك ؟

أظنك لست تذكرها !

….

ألا فاعلم :

سيبقى طيفها

الوردي يعجن خبز أحزانكْ

ستبقى وردةً في الحلم

تسكن جوف شريانكْ

ستبقى طفلةَ السحر ِ

التي تهمي

كقنديل ٍ

يبث الضوء في وجدان وجدانكْ

على أني أظنك سوف تنكرها !

….

ألا فاعلم :

ستبقى العمرَ ترمقها

كبوصلةٍ

على أحداق سجّانكْ

و تشقى

إن ضللتَ الدربَ من فمها إلى حانكْ

و تلقى صوتَها الوتَريّ

منسكباً على أوتار تحنانكْ

فلا يوماً ستلقاها ..

و لا يوما ستنساها ..

و لا أدري لعلك حين تذكرها

ستعلم

أن موت الفل و العناب

في عذَبات أغصانكْ

خسارتُهُ

ستُنقِصُ زهو بستانكْ

و تعلم

أن موت الصيف

لا يعني سوى تفصيل أكفانكْ

و أن

جحودَ طفلتك التي أنكرت

كان ضلالة ً

من نزغ شيطانكْ

و أنك رغم نسيانكْ

ستذكرها

ستذكرها .