الصبر أجمل لو أطقت الأجملا

الصَّبرُ أجمَلُ لو أطَقت الأَجمَلا

وأَخفُّ لو صَدق التجُّملُ مَحمَلا

يا واحِداً عَمَّ الجميعَ مُصابُهُ

ما كنتَ إلا عارِضاً مُتَهلّلا

قُدّمت قبلي في الوُفاة وهكذا

يتقدّم الأَخيار أوَّلَ أَوّلا

ولقد تَخَرَّمتِ المَنيّة شَطرنا

وبَقيتُ في شطرٍ فكان الأَفضَلا

عِشنا بذلك حِقبَةً في غِبطَةٍ

ونَداك يحملُ كلّ عِبءٍ أَثقَلا

وسَددت خُلَّةَ مَن مَضى لَمّا انقضَى

واستَقبَل البَاقُون خَطباً مُقبِلا

وكفيتني وكَفَيتَهُم ما يُتّقى

وجَلوت خَطبَ الدَّهرِ عَنّا فانجلى

فَليبكينَّكَ كُلُّ نادٍ صَالحٍ

وليَندُبَنَّكَ منَ أحبّ ومَن قَلى

وليبقيَنَّ عليكَ ذِكرٌ ناصِعٌ

ما أَدبَر اللَّيلُ البَهيمُ وأَقبَلا

جَمّلت عِشرَتنِا وطُولَ زَمانِنا

لَمّا تَفَرَّطِنا فكَان كَلا ولا

يا مَن تَواضع قَدرُهُ عن رِفعَةٍ

ما فَوقَ ما أَصبحتَ فيهِ مُعتَلى

فاستَوفِ حَظَّكَ عند ربِّكَ كُلَّه

واحطُط لَدَيهِ فقد بَلغتَ المَنزلا

فلهُ تركتَ الغَانِيَات ولم تَزل

بالبَاقياتِ الصَّالحاتِ مُوَكَّلا

ما مَرَّ يومٌ من حياتِك عاطِلاً

بل كانَ بالتَّقوى مُحلَّىً مُخملا

واللّيلُ يعرفُ منك نِضواً خاشعاً

لِلّهِ يَسكُب فيه دَمعاً مُسبَلا

ما ذاقَ طعمَ النّومِ إلا خِلسَةً

بخِلت على أَجفانِه أَن يُكحَلا

فطوَاه بينَ رُكوعِه وسُجودِه

بدموعِ تَقواهُ مُنَدى مُخضَلا

أحشاؤه مَوقُوذةٌ ولِسَانُه

يُهدِي إلى اللَه الكِتَابَ مُرَتَّلا

ماذا أؤَمِّلُ بعدَ وضعِكَ في الثَّرى

هيهات أخطأ آمِلٌ ما أمّلا

يا واهبَ العِلقِ النّفيسِ أخَذتَهُ

فاجعَلهُ في دارِ الرِّضا مُتَقَبَّلا

ولقَد فقدتُ سَمِيَّهُ مِن قَبلِهِ

مُتَضَرِّجاً بدمِ الفؤاد مُقَتَّلا

رُزءٌ على رُزءٍ تتابَع ثُكلُهُ

وكمَا ثكلتُ فَغايَتِي أَن أُثكَلا

عزيَّتُ نفسِي عَنهُما ولَرُبّما

غلبَ البُكاءُ تَجَلُّدي فاستَرسَلا

يا أيها السَّهم المغبُّ لِوَقتِه

لا بُدّ يَوماً أن تُصِيبَ المَقتَلا

عُذراً أبا مَروان عِشتُ ولم أَمُت

كَمداً عليكَ وكان مَوتي أسهَلا

فاذهَب كما ذهَب الحَيا أَحيى الرُّبا

عُلواً وغادَر كل خَفضٍ منهلا

فلقد تركتَ بناءَ صِدقٍ خالداً

يبقى جَديداً والجَدِيدُ إلى بلى

يا ليتَني قَد مِتُّ قَبلكَ سابِقاً

وبقيتَ بَعدي ثابتاً مُتَهَلّلا

يَأوي إليكَ طَلِيقُنا وأَسيرُنا

وَتَفُكُّ رِبقةَ كلّ عانٍ مُبتلى

لا تُخلِفُ الأَيّامُ مثلَكَ ماجداً

أَندى وأَعطى في الحُقوق وأبذَلا

وأَشَدَّ في ذاتِ الإلهِ صريمةً

وأَمدَّ شأواً في الصّعاب وأقولا

لَودِدتُ بِرَّكَ أَن يشابَ بجفوةٍ

فيكونَ عُذراً عند قَلبِي إن سَلا

لكن صفَت منكَ الخلائقُ واعتلَت

عن عِلَّةٍ تُبدِي العيون تَنَصُّلا

صلّى عليك اللَهُ من مُتَقَدّم

ظهرَت كرامَتُه فكانَ الأَمثَلا

وسَقتكَ دِيمةُ مُزنَةٍ هَطَّالةٍ

تَروي مع العِلم المُنيفَ المُجملا

وتعهدَّتكَ من المُهَيمن رَحمَةٌ

فتَحت إلى الفِردوسِ باباً مُقفَلا

أَعددتُ بعدك حالَتين هُما هُما

صَبراً أُقيّدهُ ودَمعا مُهمَلا

هَمَلَت عليكَ العَينُ إذ أَقَرَرتَها

ومن الوَفاءِ بعهدِها أَن تَهمِلا

لم تَبقَ لي في العَيشِ بعدك لَذّةٌ

ولئن أَمرّ مذاقُهُ في ما حَلا

ناجيتُ قَبرَك والدّموع سَوافِح

ورأيتُ شَخصَك بالضّمير مُخَيَّلا

وودتُ إذ عِشنَا معاً أَنّا مَعاً

إذ فات صنوَك أَن يَكونَ الأَعجَلا