سمت لهم بالغور والشمل جامع

سمت لهم بالغور والشمل جامعُ

بُروقٌ بأعلام العذيب لوامعُ

فباحت بأسرارِ القلوب المدامِعُ

ورُبَّ غرامٍ لم تنلهُ المسامِعُ

أذاعَ به مُرفَضُّها المتصوّبُ

ألا في سَبيلِ الشَّوق قلبٌ موكّلُ

بركبٍ إذا شامُوا البروقَ تَحَمَّلُوا

هو الموتُ إلا أنني أتجَمَّلُ

إذ قلتُ هذا مَنهَلٌ عن منهلُ

ورايةُ برقٍ نحوَها القلبُ يجنبُ

خُذوا بِدَمي ذاكَ الوميضَ المُضَرَّجا

ورَوضاً لقبضِ العاشقين تأرَّجا

عفا اللَه عنهُ قاتلاً ما تحرَّجا

تمشّى الرَّدى في نشرهِ وتدرجا

وفي كلِّ شيءٍ للمنيةِ مذهبُ

أفي اللَه أما كل بعد فثابتُ

وأما دُنوُّ الدارِ منهم ففائتُ

ولا يلفتُ البينَ المُصممَ لافِتُ

ويا ربّ حتّى البارقُ المتهافتُ

غرابٌ بتفريقِ الأحبةِ ينعبُ

سقى اللَه عهداً قد تقلَّصَ ظِلُّه

حيا نضرةٍ يُحيي الربا مُستهله

وحَيّى به شَخصاً كريماً أُجِلُّه

يُصِحُّ فؤادي تارةً ويُعِلُّه

ويلأمهُ بالذّكر طوراً ويَشعَبُ

رَماني على فوتِ بشرخِ ذكائِه

فأعشت جُفوني نظرةٌ من ذُكائِه

وغصّت بأدنى شُعبةٍ من سَمائه

شِعابي وجاءَ البحرُ في غُلوائِه

فكلُّ قَرِيٍّ ردع حدّيه يركبُ

ألم يأته أنّي ركبتُ قَعُودا

وأجمَعتُ عن وَفدش الكَلامِ قُعُودا

وأرهقني هذا الزّمانُ صُعودا

ولم أعتصر للذكر بعدك عودا

فرَبعُ الّذي بينَ الجَوانحِ سَبسَبُ

على تلكَ من حالٍ دعوتُ سميعا

وذَكَّرتُ رَوضاً بالعُقابِ مَرِيعا

وشَملاً بشعب المذحجيّ جميعا

وسرباً بأكنافِ الرصافةِ ريعا

وأحداق عين بالحمام تقلَّبُ

ولم أنسَ ممشانا إلى القصر ذي النخلِ

بحيث تجافى الطَّودُ عن دَمِثٍ سهلِ

وأشرَف لا عن عُظم قدرٍ ولا فضلِ

ولكنَّهُ للمُلكِ قامَ على رِجلِ

يقيهِ تباريحَ الشّمال ويحجبُ

فكم مُوجعٍ بنتابُه برسيسه

ومعتبرٍ ألقى بأرحُل عيسِهِ

يَرى أُمَّ عمرو في بَقايا دَرِيسهِ

كسَحقِ اليَماني مُعتليه نفيسِهِ

ورُقعتُهُ تَسبِي العيونَ وتُعجِبُ

ببيضاءَ للبيضِ البَهاليلِ تَعتَزِي

وتعتُّز بالبانِي جَلالاً وتَنتَزِي

سوى أنَّها بعد الصَّنيع المُطَرَّزِ

كسَاها البِلى والثُّكل أسمالَ مُعوِزِ

فتَبكي وتُبكي الزّائرين وتندبُ

وكم لكَ بالزَّهراءِ من مُتَردّدِ

ووقفةِ مُستَنِّ المَدامعِ مُقصَدِ

يُسَكّنُ من خَفقِ الجَوانحِ باليدِ

ويهتكُ حُجبَ النّاصرِ بنِ مُحَمَّدِ

ولا صَولة تُخشى هناكَ وتُرهَب

كأن لم يكن يُقضى بها النَّهيُ والأمرُ

ويُجبى إلى خُزَّانِها البَرُّ والبَحرُ

ويُسفِرُ مَخفُوراً بذمّتها الفَجرُ

ويوسَمُ مَختُوماً بِطينَتِها الدَّهرُ

فأيَّامُه تُعزى إليها وتُنسَبُ

لَنِعمَ مَقامُ الخاشِع المُتَنَسِّكِ

وكانت محلَّ العَبشَمِيِّ المُمَلَّكِ

متى يُوردِ النّفسَ العزيزةَ تُسفَكِ

وإن يَسمُ نحو الأبلَقِ الفَردِ يُملَكِ

وأيُّ مَرامٍ رامَهُ يَتَصَعَّبُ

قُصورٌ كأنَّ الماءَ يَعشَقُ مَبنَاها

فَطوراً يُرى تاجاً لمفرقِ أعلاها

وطَوراً يُرى خَلخالَ أسؤقِ سُفلاها

إذا زَلّ وَهناً عن ذوائبِ مَهواها

تقولُ هَوى بَدرٌ أو انقَضَ كوكَبُ

أتاها على رَغمِ الجِبالِ الشَّواهِقِ

وكُلِّ مُنيفٍ للنُّجومِ مُراهِقِ

وكم دَفَعت بالصَّدرِ منهُ بعائقِ

فأودعَ في أحشائِها والمَفارقِ

حُساماً بأنفاسِ الرِّياحِ يُذَرَّبُ

هي الخَودُ من قَرنٍ إلى قَدَمٍ حُسنا

تناصَف أقصاها جَمالاً مع الأدنى

ودُرّج كالأفلاكِ مَبنى على مَبنى

تَوافَقنَ في الإتقانِ واختلفَ المَعنى

وأسبابُ هذا الحُسنِ قد تتشَعَّبُ

كم احتضَنَت فيها القيانُ المَزاهِرا

وكم قَد أجابَ الطَّيرُ فيها المَزامِرا

وكم فاوَحت فيها الرّياضُ المَجامِرا

وكم شَهِدَت فيها الفراقدُ سامِرا

عليهم من الدُّنيا شُعاعٌ مُطنَّبُ

فأينَ الشُموسُ الطالعاتُ بِها لَيلا

وأينَ الظّباءُ السّاحباتُ بها ذَيلا

وأينَ الغُصون المائساتُ بها مَيلا

وأينَ الثَّرى رَجلاً وأين الحَصى خَيلا

فواعَجَباً لو أنّ من يَتعجَّب

ومالكَ عن ذاتِ القِسِيِّ النَّواضحِ

وناصِحَةٍ تُعزى قَديماً لناصِحِ

وذي أثَرٍ باقٍ على الدَّهرِ واضحِ

يُخَبِّرُ عن عَهدٍ هُنالِكَ صالحِ

ويَعمُر ذِكرى الذّاهبين ويخربُ

تلاقى عليهِ فيضُ نهرٍ وجَدوَلِ

تصعَّد من سُفل وأقبلَ من عَلِ

وهذا جُنوبيٌّ وذلك شمألِي

وما اتَّفقا إلا على خَيرِ مَنزِلِ

وإلا فإنَّ الفَضلَ فيهِ مُجَرِّب

كأنَّهُما في الطّيب كانا تَنافَرا

وسارا إلى فَصل القَضاءِ وسافَرا

فلَمّا تَلاقى السَّابقان تَناظَرا

فقالَ وَلِيُّ الحقّ مَهلاً تضَافرا

فَكُلُّكما عَذبُ المُجاجَةِ طَيّبُ

ألم تَعلَما أنّ اللّجاجَ هو المَقتُ

وأنَّ الذي لا يقبل النَّصفُ مُنبَتُّ

وما منكُما إلّا لَهُ عندَنا وَقتُ

فلَمَّا استَبان القصدُ واتَّجَه السَّمتُ

تَقشَّعَ عن نُور الموَدَّةِ غَيهَبُ

وإنَّ لنا بالعَامِريِّ لَمَظهَرا

ومُستَشرَفاً يُلهِي العُيونَ ومَنظَرا

ورَوضاً على شَطَّي خُضارة أخضَرا

وجَوسَقَ مُلكٍ قد عَلا وتجبَّرا

لَهُ تِرَةٌ عندَ السِّماكين تُطلَبُ

تَخيَّرَهُ من عُنفوانِ المَوارِدِ

وأثبَتَهُ في مُلتَقى كُلِّ واردِ

وأبرزهُ للأريَحيِّ المُجاهدِ

وكلِّ فَتىً عن حَومةِ الدّين ذائِد

حَفيظَتُهُ في صَدرِهِ تَتلَهَّبُ

تَقدَّمَ عن قَصرِ الخِلافَةِ فَرسَخا

وأصحَر في الأرضِ الفَضاءِ لِيُصرِخا

فخالَتهُ أرضُ الشِّركِ فيها مُنَوِّخا

كذلك من جاس الدّيارَ ودوَّخا

فرَوعَتُه في الأرضِ تَسرِي وتَذهَبُ

أُولئك قومٌ قد مَضوا وتصرَّعُوا

قَضَوا ما قضَوا من أمرِهم ثمّ وَدَّعُوا

فهل لهمُ ركنٌ يُحَسُّ ويُسمَعُ

تأمَّل فهذا ظاهرُ الأرضِ بَلقَعُ

ألا إنَّهم في بَطنِها حيثُ غَيِّبُوا

ألست ترى أنّ المُقامَ على شَفا

وأنّ بَياضَ الصُّبح ليس بذي خَفا

وكم رَسم دَارٍ للأحبَّةِ قد عَفَا

وكانَ حديثاً للوفدِ مُعَرّفا

فأصبحَ وحشَ المُنتدى يُتَجَنَّبُ

ولِلّهِ في الدَّارات ذات المَصانعِ

أخِلاءُ صِدقٍ كالنُّجومِ الطَّوالِعِ

أُشَيِّعُ مِنهم كلَّ أبيضَ ناصِع

وأرجعُ حتّى لستُ يوماً بِراجعِ

فيا لَيتَنِي في فُسحَةٍ أتأهّب

أقُرطبةٌ لم يَثنِني عنكِ سلوانُ

ولا بَعدَ إخواني بمغناكِ إخوانُ

وإنِّي إذ لم أُسقَ ماءَك ظمآنُ

ولكن عَداني عنكِ خَطبٌ له شانُ

ومَوطئُ آثارٍ تُعَدّ وتُكتَبُ

لكِ الحَقُّ والفضلُ الذي ليس يُدفَعُ

وأنتِ لِشَمسِ الدِّين والعِلمِ مَطلَعُ

ولولاكِ كان العِلمُ بالجهل يُرفَعُ

وكُلُّ التُّقى والهَديِ والخيرِ أجمعُ

إليكِ تناهى والحسودُ مُعَذَّب

ألم تَكُ خُصَّت باختِيار الخَلائِف

ودانَت لَهُم فيها مُلوكُ الطَّوائفِ

وعَضَّ ثِقافُ المُلكِ كُلَّ مُخالِفِ

بكلِّ حُسامٍ مُرهَفِ الحدِّ راعِف

به تُحقَنُ الآجالُ طَوراً وتُسكَبُ

إلى مُلكِها انقادَ المُلوك وسَلَّمُوا

وكَعبَتَها زارَ الُوفودُ ويَمَّمُوا

ومنها استَفادوا شَرعَهُم وتعلَّمُوا

وعاذُوا بها من دَهرِهِم وتحرَّمُوا

فنَكّب عَنهُم صرفُهُ المُتَسَحِّب

علوتِ فَما في الحُسنِ فوقك مُرتَقى

هَواؤُك مختارٌ وتُربُكِ مُنتَقى

وجِسرُك للدُّنيا وللدّين مُلتَقى

وبيتُك مرفوعُ القَواعِدِ بالتُّقى

إلى فضلهِ الأكبادُ تُنضى وتُضرَبُ

تَولّى خيار التَّابعينَ بناءَهُ

وخَطُّوا بأطرافِ العَوالي ثَناءَهُ

ومَدُّوا طويلاً صِيتَهُ وثناءَهُ

فلا خلعَ الإسلامَ عنه بهاءَه

ولا زَال سعيُ الكائِديهِ يُخَيَّبُ

وتابع فيه كلّ أروعَ أصيَدِ

طويل المَعالي والمكارم واليَدِ

فَشادُوا وزادُوا سَيِّداً بعد سَيِّد

وبادُوا جَميعاً عن منيعٍ مُخَلَّدِ

يقومُ عَلَيهم بالثَّناءِ ويَخطُبُ

مصَابيحُهُ مثلُ النُّجومِ الشَّوابكِ

تُمزِّقُ أثوابَ اللَّيالي الحَوالك

وتحفَظهُ من كُلِّ لاهٍ وسالكِ

أَجَادِلُ تنقَضُّ انقِضاضَ النّيازِكِ

فأبشارُهم بالطّبطَبِيَّةِ تُنهَبُ

أجدّك لم تَشهَد بها لَيلَةَ القَدرِ

وقد جاشَ مَدُّ الناسِ منه إلى بَحرِ

وقد أُسرِجَت فيهِ جبالٌ من الزّهرِ

فلو أنَّ ذاكَ النّور يُقبَسُ من فجرِ

لأوشَك نور الفجر يَفنى ويَنضُبُ

كأنَّ الثُّريّاواتِ أطوادُ نَرجِسٍ

ذَوائبهُ تهفُو بأذكى تَنَفُّسِ

وطيبُ دُخانِ النَّدِّ في كُلِّ مَعطِسِ

وأنفاسُه في كلّ جِسمٍ ومَلبَسِ

وأذيالُه فوقَ الكَواكبِ تُسحَبُ

إلى أن تبَدَّت رايَةُ الفَجرِ تزحفُ

وقد قُضِيَ الفَرضُ الذي لا يُسَوَّفُ

تَولَّوا وأزهارُ المَصابيح تُقطَفُ

وأبصَارُها صَوناً تُغَضُّ وتُخطَفُ

كما تُنصَلُ الأرماحُ ثُمَّ تُرَكَّبُ

سَلامٌ على صَحرائها وقُصورِها

سلامٌ على أوطانها وقبورِها

سلامٌ على غُيّابِها وحُضورِها

ولا زَالَ سُورُ اللَهِ من دون سُورِها

فَحُسنُ دِفَاعِ اللَه أحمى وأرهَبُ

ففي ظَهرها المعشوقِ كُلُّ مُرَفَّعِ

وفي بطنها المَنشُوقِ كلُّ مُشَفّعِ

مَتى تَأتِهِ شَكوى الظُّلامةِ تُرفَعِ

وكُلّ بعيدِ المُستَغَاثِ مُدَفَّعِ

من اللَهِ في تلكَ المَواطن يَقرُبُ

وكم كُربةٍ ملءِ الجوانحِ والقَلبِ

طرَقتُ وقد نامَ المُواسُونَ من صَحبِي

بِرَوعَتِها مثوى الوَلِيِّ أبي وَهب

وناديتُ في التُّربِ المُقَدَّسِ يا رَبّي

فَعُدت كَما يهوى الفُؤادُ ويَرغَبُ

ألا لَيتَ شِعري هل تَخُبُّ رِكابُ

وهَل يَتقاضى النَّازِحينَ إيابُ

وهَل لِلَّيالي المُذنِباتِ مَتابُ

ألا إنَّه بَعدَ المَشِيبِ شَبابُ

وعُمرٌ إلى رأدِ الغَرارة يُقلَبُ

فيا صاحبي إن حانَ قبلَك مَصرَعِي

وكنتَ على عَهدِ الرِّضى والهوى مَعِي

فخُطَّ بضاحِي ذلكَ التُّربِ مَضجعي

وذَرني فجارُ القَومِ غَيرُ مُرَوَّعِ

فَعِندهم للجارِ أهلٌ ومَرحَبُ

رَعى اللَهُ مَن يرعى العُهودَ على النّوى

ويبدُو على القَولِ المُحبَّرِ ما نَوى

ولبَّيهِ من مُستحكمِ الوُدِّ والهَوى

يَرى كل وادٍ غَيرَ واديهِ مُجتَوى

وأهدى سَبِيليهِ الّذِي يُتنكبُ