جزعت وما بانوا فكيف وقد بانوا

جَزِعتَ وَما بانُوا فَكَيفَ وَقَد بانُوا

فَيالَيتَهُم كانُوا قَريباً كَما كانُوا

حَرِصنا عَلى أَن لا تَشِطَّ نَواهُمُ

فَشَطَّت وَبَعضُ الحِرصِ غَيٌّ وَحِرمانُ

وَقَد سَأَلوا عَن شانِنا بَعدَ نَأيِهِم

فَقُلنا لَهُم لَم يَرقَ بَعدَكُمُ شانُ

حُرمنا التَداني مِن مُحَرَّمِ عامِكُم

وَشَعَّبَكُم بَعدَ المُحَرَّمِ شَعبانُ

وَبُحنا بِأَسرارِ الهَوى بَعدَ نَأيِكُم

أَلا كُلُّ سِرٍّ يَومَ نَأيِكِ إِعلانُ

وَبِالغَورِ مِن جَنبي خُفافٍ جَآذِرٌ

مِنَ الإِنسِ يبكِرنَ الأَنيسَ وَغِزلانُ

إِذا ما سَحَبنَ الرَيطَ ضَوَّعنَ لِلصَبا

نَسيماً كَما ضاعَ الخُزامِيُّ وَالبانُ

نَكَرنَ مَشيبي وَالغَواني فَوارِكٌ

إِذا لَم يَكُن فِينا شَبابٌ وَإِمكانُ

زِيادةُ ضَعفٍ بِالمَشيبِ وَحَسرَةٌ

فَمَوتُكَ إِكمالٌ حَياتُكَ نُقصانُ

وَقَد أَغتَدي وَاللَيلُ مُرخٍ رِدائَهُ

وَنَجمُ الثُرَيّا في المَغارِبِ وَسنانُ

بِجائِلَةِ الأَنساعِ مالَت مِن السُرى

كَما مالَ مِن رَشفِ الزُجاجَةِ نَشوانُ

تَدُوسُ الحَصا أَخفافُها وَهُوَ لُؤلُؤٌ

وَتَرفَعُها مِن فَوقِهِ وَهوَ مَرجانُ

تُناهِبُني مَرتاً كَأَنّ نَعامَهُ

قُسُوسٌ أَكَبَّت في مُسُوحٍ وَرُهبانُ

إِذا قَطَعَت غِيطانَ أَرضٍ تَقابَلَت

عَلَيها سَبارِيتٌ سِواها وَغيطان

إِلى خَيرِ مَن يُستَمطَرُ الخَيرُ عِندَهُ

وَيَأتَمُّ مَغناهُ رِكابٌ وَرُكبانُ

فَتىً جَلّ عَمَّن جَلّ في الناسِ قَدرُهُ

وَباتَ لَهُ سَفٌّ عَليهِ وَرُجحانُ

فَصُغِّرَ بِهرامٌ وَبُخِّلَ حاتَمٌ

وَجُبِّنَ بِسطامٌ وَغُلِّطَ لُقمانُ

كَريمٌ غَرِقنا في نَداهُ كَأَنّنا

بِغَير أَذىً في لُجَّةِ البَحرِ حِيتانُ

هُوَ اللَيثُ أَردى اللَيثَ وَاللَيثُ مُخدِرٌ

هُوَ الغَيثُ فاقَ الغَيثَ وَالغَيثُ هتّانُ

هُوَ البَحرُ أَهدى السُحب شَرقاً وَمَغرِباً

فَرَوّى فِجاجَ الأَرضِ وَالبَحرُ مَلآنُ

حَليمٌ كَأَنّ العَضبَ يُلقي نِجادَهُ

عَلى يَذبُلٍ أَن يَلبَسُ البُردَ ثَهلانُ

عَلا قَدرُهُ حَتّى كَأَنّ نَديمَهُ

لِبَعض مَصابيحِ الدُجُنَّة نَدمانُ

إِذا قُلتُ شِعراً فيهِ خِفتُ اِنتِقادَهُ

عَليَّ كَأَنِّي باقِلٌ وَهوَ سَحبانُ

شَكَرتُ لَهُ النُعمى فلا أَنا جاحِدٌ

وَلا واهِبُ النُعمى بِنُعماه منّانُ

وَما زادَهُ فَخراً مَديحي لِأَنَّه

صَباحٌ لَهُ مِنهُ دَليلٌ وَبُرهانُ

أَدِينُ بِنُصحي للأَمينِ وَمَحضِه

أَلا إِنَّما بَذلُ النَصائِحِ أَديانُ

كَريمٌ مِنَ القَومِ الَّذين سَأَلتُهُم

فَأَعطوا وَما مَنَّوا وَقالوا وَما مانُوا

مَدَحتُهُمُ طِفلاً وَكَهلاً فَأَفضَلُوا

عَلَيَّ وَهُم وَشِيبٌ وَشُبّانُ

أَبا صالِحٍ طُلتَ المُلوكَ وَطَأطَأَت

لِأَخمَصِكَ الحَيّانِ قيسٌ وَقحطانُ

فَأُقسِمُ لَولا أَنتَ لَم يُخلَقِ النَدى

وَلَولاك لَم يَفخَر مَعَدُّ وَعَدنانُ

ذَخَرتَ اللُهى عِندَ العُفاة كَأَنَّما

عُفاتُك حُفّاظُ عَلَيك وَخُزّانُ

قَهَرتَ مُلوكَ الأَرضِ حَتّى كَأَنَّما

عَلى كُلّ سُلطانٍ لِسَيفِكَ سُلطانُ

وَأَهوَنتَ بِالأَعداءِ لَمّا تَأَلَّبوا

فَهانُوا وَلَولا عِظمُ شانِكَ ما هانُوا

فَإِن تَعفُ عَمَّن يَطلُبُ العَفوَ مِنهُمُ

فَعِندَكَ لِلجاني عِقابٌ وَغُفرانُ

وَأَنتَ الحُسامُ العَضبُ يَخشُنُ لِلعِدى

وَفيكَ مَعَ الإِحسانِ لينٌ إِذا لانُوا

فَعِش عُمرَ ما حَبَّرتُ فيكَ فَإِنَّه

سَيَبقى إِذا لَم يَبقَ إِنسٌ وَلا جانُ

وَكُلُّ غَمامٍ غَيرِ كَفِّكَ مُخلِفٌ

وَكُلُّ مَديحٍ غَيرِ مَدحِكَ بُهتانُ