زارتك بعد الكرى زورا وتمويها

زارَتكَ بَعدَ الكَرى زُوراً وَتَمويها

ما كانَ أَقرَبَها لَولا تَنائيها

زارَت وَجُنحُ الدُجى يَحكي ذَوائِبَها

وَوَدَّعَت وَضِياءُ الصُبحِ يَحكيها

كَيفَ اِهتَدَت وَظَلامُ اللَيلِ معتكر

لَولا سَنا وَجهِها في اللَيلِ يَهديها

تَبَرقَعَت في الدُجى تُخفي مَحاسِنَها

فَلَم تَكَد سُدَفُ الظَلماءِ تُخفيها

رُوحي فِدىً لَكَ مِن طَيفٍ نَعِمتُ بِهِ

وَلَيلَةٍ بَلَّغَت نَفسي أَمانيها

ما كانَ أَطيبَها لَولا تَصَرُّمُها

عَنّا وَأَعجَبَها لَولا تَقَضِّيها

دَع ذا وَرُبّ شَطُونِ البِيدِ نازِحةٍ

غُبرٍ مَعالِمُها طُمسٍ مَوامِيها

كَأَنَّها وَالسَرابُ الضَحلُ يَرفَعُها

بَحرٌ مِنَ الآلِ طامٍ مَوجُهُ فِيها

قَطَعتُ أَجوازَها في ظَهرِ سَلهَبَةٍ

حُمٍّ شَوامِتُها صُمٍّ خَوافِيها

طالَت سَبائِلُها وَامتَدَّ حالِبُها

وَنافَ غارِبُها وَاِنقادَ هاديها

مِثلُ العُقابِ رَأَت صيداً بِشاهِقَةٍ

مِنَ الذُرى فَتَدَلَّت مِن أَعاليها

إِلى ثِمالٍ فَتى الدُنيا الَّذي يَدُهُ

مِثلُ السَحابِ إِذا اِنهلّت عَزالِيها

المُدركيِّ الحُميديِّ الَّذي شَهِدَت

لَهُ البَرِيَّةُ قاصِيها وَدانِيها

إِذا رَأَيتُم لَنا في المَجدِ شاهِقَةً

مَبنِيَّةً فَأَبو العُلوانِ بانِيها

رُوحي وَما مَلَكَت كَفِّي فِدى مَلِكٍ

يَختالُ شِعري بِهِ في مَنطِقي تيها

فَتىً يَهُونُ عَلَيهِ حينَ يَسأَلُهُ

عافيهِ أَن يَهَبَ الدُنيا بِما فيها

لا يَكنِزُ المالَ إِلّا بِالعَطاءِ لَهُ

وَخَيرُ مَن كَنَزَ الأَموال مُعطِيها

سَقى الحَيا الرَحبَةَ الفَيحاءَ مَسكَنَهُ

فَقَصرَها فَمُصَلّاها فَضاحِيها

إِلى السُرى حَيثُ تَنقادُ الجِبالُ لَهُ

مِن دَيرِها فَالأَعالي مِن رَوابيها

إِلى المُلَيحَةَ حَيثُ العَينُ جارِيَةٌ

مِنَ الصَباحِ إِلى جَلهَاتِ وادِيها

ذادَ العِدى بَأسُهُ عَنها وَشَرَّدَهُم

حَتّى الأُسودَ العَوادي مِن نَواحيها

يا من تَبِيتُ الرَعايا وَهِيَ شارِعَةٌ

مِن فَضلِهِ بَعدَ فَضلِ اللَهِ بارِيها

تَزيدُ فَخراً بِكَ الدُنيا إِذا نَظَرَت

إِلَيكَ أَنَّكَ فيها بَعضُ أَهليها

وَما دَرَت أَنَّها وَالخَلقَ واحِدَةٌ

وَأَنتَ يا كُلَّ خَلقِ اللَهِ ثانيها

كَم مِنَّةٍ لَكَ عِندي لَستُ أَكفُرُها

وَنِعمَةٍ أَنتَ بَعدَ اللَهِ مُولِيها

وَكَم نَظَمتُ لَكَ الأَوصافَ مُحكَمَةً

كَأَنَّها الدُرُّ تَمثيلاً وَتَشبيها

تَسيرُ شَرقاً وَغَرباً وَهِيَ ثابِتَةٌ

يَفنى الزَمانُ وَتَبقى لَيسَ يُفنيها