منا الثناء ومنك الصيب الغدق

مِنّا الثَناءُ وَمِنكَ الصَيِّبُ الغَدِقُ

فَضلٌ يَعُمُّ وَشُكرٌ طَيِّبُ عَبِقُ

نُثنِي عَلَيكَ بِما أَولَيتَ مِن كَرَمٍ

فَالحَمدُ يُجمَعُ وَالأَموالُ تَفتَرِقُ

ضَجَّت إِلى رَبِّها الدُنيا الَّتي دُحِيَت

مِمّا تَدُلُّ إِلى أَبوابِكَ الطُرُقُ

يَخضَرُّ كُلُّ مَكانٍ أَنتَ نازِلُهُ

حَتّى يُنَبِّعَ مِن أَحجارِهِ الوَرَقُ

وَيُشرِقُ اللَيلُ إِن أَسرَيتَ مُدَّلِجاً

فِيهِ كَأَنَّكَ في ظَلمائِهِ فَلَقُ

رُزِقتَ جَدّاً يَضِيقُ الخافِقانِ بِهِ

فَكَم بَغى الحَمدَ أَقوامٌ فَما رُزِقُوا

تَأَنَّقَ اللَهُ حَتّى باتَ مُجتَمِعاً

هَذا الجَميلُ وَهَذا المَنظَرُ الأَنِقُ

مِن أَينَ يُعطى الَّذي أُعطِيتَهُ بَشَرٌ

وَيُلحَقُ الدَرُّ مِن مَسعاكَ وَالعَنَقُ

طَلَعتَ في شاهِقٍ صَعبٍ مَطالِعُهُ

إِذا تَرَقّى إِلَيهِ مَعشَرٌ زَلَقُوا

وَالمَجدُ ثَوبٌ لِفَخرِ المُلكِ جِدَّتُهُ

وَلِلبَرِيَّةِ مِنهُ المُنهَجُ الخَلقُ

قَد حاوَلَ الناسُ مِن عُجمٍ وَمِن عَرَبٍ

أَن يَلحَقُوهُ إِلى شَأوٍ فَما لَحِقوا

مُتَوَّجٌ تَخفِضُ الأَبصارَ هَيبَتُهُ

فَلَيسَ تُملَأُ مِن مَرأىً بِهِ الحَدَقُ

إِذا تَنَكَّرَ لَم يَخرُج بِهِ غَضَبٌ

عَنِ الجَميلِ وَلَم يَذهَب بِهِ الحَنَقُ

وَبِالعَواصِمِ مِن تاجِ العُلى مَلِكٌ

لا الزَهوُ مِنهُ وَلا مِن طَبِعِهِ الخَرَقُ

يَهمِي عَلى الشامِ سُحباً مِن مَكارِمِهِ

حَتّى يُخافَ عَلى سُكانِهِ الغَرَقُ

عَمَّت مَواهِبُهُ الدُنيا وَساكِنَها

فَلا خَلا بَشَرٌ مِنها وَلا أُفُقُ

كَالصُبحِ فاضَ فَغَشى كُلَّ ناحِيَةٍ

فَلَيسَ يَعرِفُ فِيها نَفسَهُ الغَسَقُ

يا باذِلَ المالَ لِلقُصّادِ إِن قَصَدُوا

وَعاقِرَ الكُومِ لِلطُرّاقِ إِن طَرَقُوا

فِداكَ قَومٌ إِذا ما عاهَدُوا نَكَثُوا

تِلكَ العُهُودَ وَإِمّا صادَقُوا مَذَقُوا

لا يَعرِفُونَ جَميلاً إِن هُم سُئِلُوا

وَلا يَخافُونَ عاراً إِن هُمُ رُهِقُوا

لَيسُوا كَأَبناءِ مِرداسٍ إِذا وَعَدُوا

فَقَد وَفَوا وَإِذا قالُوا فَقَد صَدَقُوا

مُعَوَّدِينَ لِبَذلِ المالِ قَد جَعَلُوا

في رِزقِ كُلِّ عَدِيمٍ كُلَّ ما رُزِقُوا

مَن يَلقَهُمُ يَلقَ مِنهُم مَعشَراً نُجُباً

لَم يُخلَقِ الفَضلُ إِلّا ساعَةً خُلِقُوا

أَخنَوا عَلى المالِ حَتّى ما يَعِيشُ لَهُم

ذَودٌ يُراحُ وَلا عَينُ وَا وَرِقُ

تَعَلَّمُوا مِن عِمادِ المُلكِ كُلَّ نَدىً

وَاستَمسَكُوا بِعُرى نُعماهُ وَاعتَلَقُوا

مازالَ يُقلِقُ أَحشاءَ العِدى زَمَناً

حَتّى جَلا الخَوفُ عَنّا وَانجَلى القَلَقُ

مِن بَعدِ أَن تَرَكَ الأَرماحَ راعِفَةً

مِمّا يَسِيلُ عَلى أَطرافِها العَلقُ

وَالخَيلُ قَد بَدَّلَ التَقرِيبُ سِحنَتَها

حَتّى تَغَيَّرَتِ الأَلوانُ وَالخِلَقُ

فَالدُهمُ تَحسَبُها بُلقاً إِذا رَجَعَت

وَقَد تَجَمَّعَ في لَبّاتِها العَرَقُ

يا أَكرَمَ الناسِ عِش لِلناسِ في دَعَةٍ

ما عاش لِي فِيكَ هَذا الفائِحُ العَبقُ

فَإِنَّما أَنتَ فِينا رَحمَةٌ كَشَفَت

عَنّا الشَقاءَ فَلا بُؤسٌ وَلا رَهَقُ

ما دُونَ فَضلِكَ لا مَطلٌ وَلا عِدَةٌ

وَلا حِجابٌ وَلا بابٌ وَلا غَلَقُ