مقامك مرفوع على عمد السعد

مَقامُكَ مرْفوعٌ على عَمَدِ السّعْدِ

وحمْدُكَ مسْطورٌ على صُحُفِ المجْدِ

وحُبُّكَ أشْهى في القُلوبِ منَ المُنى

وذِكْرُكَ أحْلى في الشِّفاهِ منَ الشّهْدِ

كرُمْتَ إلى أنْ كادَ يَسْألُكَ الحَيا

وصُلْتَ إلى أنْ هابَكَ السّيْفُ في الغِمْدِ

وجَمَّعَ فيكَ اللّهُ مُفْتَرِقَ العُلى

وشتّى المَعاني الغُرِّ في عَلَمٍ فَرْدِ

وأحْيَيْتَ آثارَ الخَلائِفِ سابِقاً

جِيادَ المَدى فِيما تُعيدُ وما تُبْدي

ولا مِثْلَ شَفّافِ الضِّياءِ بَنَيْتَهُ

على الطّائِرِ الميْمونِ والطّالِع السّعْدِ

توشّحَ منْ زُهْرِ النّجومِ قِلادَةً

ومنْ قَلَقِ الإصْباحِ أصْبَحَ في بُرْدِ

مَقامُ النّدى والبأسِ والعدْلِ والتّقى

ومُسْتَوْدَعُ العَلْياءِ والشّرَفِ العِدِّ

دَحَيْتَ من الزُّلِّيجِ صفْحَةَ أرْضِهِ

بلَوْنَيْنِ مُبْيَضِّ الأديمِ ومُسْوَدِّ

كَما رُقِمَ الكافورُ بالمِسْكِ والتَقَتْ

ذَوائِبُ منْ شَعْرٍ أثِيثٍ على خدِّ

وأرْسَلْتَ فيها جَدْوَلَ الماءِ سائِلاً

كما سُلّ مَصْقولُ الغِرارَيْنِ منْ غِمْدِ

تقابَلَ بَيْتاهُ وقد أبْرزَتْهُما

منَ الدِّينِ والدُّنْيا عُلاكَ على حَدِّ

فألْبَسْتَ هذا حُلّةَ المُلْكِ والغِنى

وألْبَسْتَ هذا شَمْلَةَ النُّسْكِ والزُّهْدِ

وكَمْ عِبْرَةٍ أبْدَيْتَ تلْعَبُ بالنُّهى

فتَنْحَرِفُ الأذْهانُ منّا عنِ القَصْدِ

فكمْ غادَةٍ تخْتالُ تحتَ منصَّةٍ

مُعَصْفَرَةِ السِّرْبالِ مصْقولَةِ الخَدِّ

منَ الصُّفْرِ إلا أنّها عرَبيّةٌ

إذا اجْتُلِيَتْ فيها سِماتُ بَني سَعْدِ

حبَتْها دمَشْقُ الشّامِ كلَّ زُجاجَة

أرَقّ منَ الشّكْوى وأصْفى منَ الوُدِّ

رأيْنا بِها كُرْسيَّ كِسْرَى وتاجَهُ

نُلاحِظُهُ عَيْناً على قِدَمِ العَهْدِ

وكمْ رامِحٍ للفُرْسِ فيها ونابِلٍ

وراحٍ نُعاطِيها مُهَفْهَفَةَ القَدِّ

ومِنْ سُرُرٍ مَرْفوعَةٍ وأرائِكٍ

كما رقَمَتْ أيْدي الغَمامِ صَبا نَجْدِ

يُذكِّرُ مَرآها قُلوبَ أولِي النُّهى

بما وُعِدَ الأبْرارُ في جنّةِ الخُلْدِ

حَدائِقُ دِيباجٍ سَقَتْها منَ الحَيا

سَحائِبُ أفْكارٍ مهنّأةِ الوِرْدِ

فَما شِئْتَهُ منْ نَرْجِسٍ وبنَفْسَجٍ

وآسٍ وسُوسانٍ نَضيرٍ ومنْ وَرْدِ

وهَبّتْ رِياحُ النّصْرِ في جَنَباتِها

فأنشأنَ سُحْبَ العَنْبَرِ الوَرْدِ والنَّدِّ

مَطارِدُ فُرْسانٍ ومَجْرَى سَوابِحٍ

ومَكْنِسُ غِزْلان وغابَةُ ذي لِبْدِ

تكنّفَها عدْلُ الخليفَةِ يوسُفٍ

فترْعَى الظِّباءُ العُفْرُ فيها معَ الأُسْدِ

إمامُ هُدىً منْ آلِ سَعْدٍ نِجارهُ

ونَصْرُ الهُدى مِيراثُهُ لبَني سَعْدِ

مآثِرُهُ تلْتاحُ في أفُقِ العُلى

وآثارُهُ تسْتَنُّ في سُنَنِ الرُّشْدِ

فتُلْحَظُ منْ أنْوارِهِ سورَةُ الضُّحى

وتُحْفَظُ منْ آثارِهِ سورَةُ الحَمْدِ

منَ النَّفَرِ الوُضّاحِ والسّادةِ الأُلى

يُغيثونَ في الجُلّى ويوفونَ بالعَهْدِ

إذا حدّثوا تَرْوي الرّواةُ حَديثَهُمْ

عنِ الأسْمَرِ الخَطّيّ والأبيَضِ الهِنْدي

أَناصِرَ دين اللهِ وابْنَ نَصيرِهِ

على حينَ لا يُغْني نَصيرٌ ولا يُجْدي

طَلَعْتَ على الدُّنيا بأيْمَنِ غُرّةٍ

أضاءَ بِها نورُ السّعادَةِ في المَهْدِ

وكمْ رصَدَتْ منّا العُيونُ طُلوعَها

فحُقِّقَ نصْرُ اللهِ في ذلكَ الرّصْدِ

وقَتْ بَيْتَكَ المعْمورَ منْ كلِّ حادِثٍ

عِنايَةُ مَنْ يُغْني عنِ الآلِ والجُنْدِ

تهنّأ بهِ الأيّامَ دانِيَةَ الجَنى

وصافِحْ بهِ الآمالَ منْظومَةَ العِقْدِ

ودونَكَها منْ بَحْرِ فِكْري جَواهِرا

تُقَلَّدُ في نَحْرٍ وتُنْظَمُ في عِقْدِ

يَقومُ بآفاقِ البِلادِ خَطيبُها

يُتَرْجِمُ عنْ حُبّي ويُخْبِرُ عنْ وُدّي

ركَضْتُ لَها خيْلَ البَديهَةِ جاهِداً

وأسْمَعْتُ آذانَ المَعالي على بُعْدِ

فجاءَتْ وفي ألْفاظِها لَفَفُ الكَرى

سِراعاً وفي أجْفانِها سِنَةُ السُّهْدِ

تَقولُ رُواةُ الشِّعْرِ عنْدَ سَماعِها

تُرَى هلْ لِهذا النّدِّ في الأرضِ من نِدِّ

رَعى اللهُ قُطْراً أطْلَعَتْكَ سَماؤُهُ

وبورِكَ في مَوْلىً كريمٍ وفِي عبْدِ