ألا حي من أهل المحبة منزلا

أَلا حَيِّ مِن أَهلِ المَحَبَّةِ مَنزِلا

تَبَدَّلَ مِن أَيّامِهِ ما تَبَدَّلا

أُبِن لي سَقاكَ الغَيثُ حَتّى تَمَلَّهُ

عَنِ الآنِسِ المَفقودِ أَينَ تَحَمَّلا

كَأَنَّ التَصابي كانَ تَعريسَ نازِلٍ

ثَوى ساعَةً مِن لَيلِهِ وَتَرَحَّلا

وَماءٍ كَأُفقِ الصُبحِ صافٍ جِمامُهُ

دَفَعتُ القَطا عَنهُ وَخَفَّفتُ كَلكَلا

إِذا اِستَجفَلَتهُ الريحُ جالَت قَذاتُهُ

وَجُرِّدَ مِن أَغمادِهِ فَتَسَلسَلا

زَجَرتُ بِهِ سِيّاحَ قَفرٍ كَأَنَّهُ

يَخافُ لَجاقاً أَو يُبادِرُ آفِلا

وَبَيداءَ مِمحالٍ أَطارَ بِها القَطا

كَما قَذَفَت أَيدي المُرامينَ جَندَلا

كَنّي عَلى حَقباءُ تَتلو لَواحِقاً

غَدَونَ بِإِمساءٍ يُطالِبنَ مَنهَلا

يُسَوِّقُها طاوٍ أَقَبُّ كَأَنَّما

يُحَرِّكُ في حَيزومِهِ النَهقُ جُلجَلا

أُتيهَ لَهُ لُهفانُ يَخطِرُ قَوسَهُ

بِأَصغَرَ حَنّانِ القَرا غَيرَ أَعزَلا

فَأَودَعَهُ سَهماً كَمِدرى مَواشِطٍ

بَعَثنَ بِهِ في مَفرَقٍ فَتَغَلَّلا

بَطيئاً إِذا أَسرَعتَ إِطلاقَ فَوقِهِ

وَلَكِن إِذا أَبطَأتَ في الريحِ عَجَّلا

أَذَلِكَ أَم فَردٌ بِقَفرٍ أَجادَهُ

مِنَ الغَيثِ أَيكٌ فَرعُهُ قَد تَهَلَّلا

لَدى لَيلَةٍ خَوّارَةِ المُزنِ كُلَّما

تَنَفَّسَ في أَرجائِها البَرقُ أَسبَلا

كَأَنَّ عَلَيها مِن سَقيطِ قُطارِها

جُماناً وَهَت أَسلاكُهُ فَتَفَصَّلا

فَباتَ بِلَيلِ العاشِقينَ مُسَهَّداً

إِلى أَن رَأى صُبحاً أَغَرَّ مُحَجَّلا

فَنَفَّضَ عَن سِربالِهِ لُؤلُؤَ النَدى

وَآيَسَ ذُعراً قَلبُهُ فَتَأَمَّلا

إِذا هَزَّ قِرنَيهِ حَسِبتَ أَساوِداً

سَمَت في مَعاليهِ لِتَحتَلَّ مَقتَلا

كَأَنَّ عُروقَ الدَوحِ مِن تَحتِهِ الثَرى

قُوىً مِن حِبالٍ أُعجِلَت أَن تُفَتَّلا

وَداعٍ دَعا وَاللَيلُ بَيني وَبَينَهُ

فَكُنتُ مَكانَ الظَنِّ مِنهُ وَأَفضَلا

دَعا ماجِداً لا يَعلَمُ الشُحَّ قَلبُهُ

إِذا ما عَراهُ الحَقُّ يَوماً تَهَلَّلا

وَأَعدَدتُ لِلحَربِ العَوانِ مُهَنَّداً

وَأَسمَرَ خَطِّيّاً إِذا هُزَّ أَرفَلا

وَجَيشاً كَرُكنِ الطَودِ رَحباً تَريقُهُ

إِذا ما عَلا حَزناً مِنَ الأَرضِ أَسهَلا

وَجَرّوا إِلَينا الحَربَ حَتّى إِذا غَلَت

وَفارَت رَأوا صَبراً عَلى الحَربِ أَفضَلا

وَعاذوا عِياذاً بِالفِرارِ وَقَبلَهُ

أَضاعوا بِدارِ السِلمِ حِرزاً وَمَعقِلا

بَني عَمِّنا أَيقَظتُمُ الشَرَّ بَينَنا

فَكانَت إِلَيكُم عَدوَةَ الشَرِّ أَعجَلا

فَصَبراً عَلى ما قَد جَرَرتُم فَإِنَّكُم

فَتَحتُم لَنا باباً مِنَ الشَرِّ مُقفَلا

وَما كُنتُ أَخشى أَن تَكونَ سُيوفُنا

تَرُدَّ عَلَينا بَأسَها وَتُقَتِّلا

وَلَمّا أَسَنّوا الضِغنَ تَحتَ صُدورِهِم

حَسَمناهُ عَنّا قَبلَ أَن يَتَكَهَّلا