أنزلت من ليل كظل حصاة

أُنزِلتُ مِن لَيلٍ كَظِلِّ حَصاةِ

لَيلاً كَظِلِّ الرُمحِ وَهوَ مُؤاتِ

وَتُحارِبُ الإِنسانَ عِدَّةُ عَقلِهِ

لِحَوادِثِ الدَهرِ الَّذي هُوَ آتِ

وَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ شُربَ ثَلاثَةٍ

دِرياقُ هَمٍّ مُسرِعٍ بِنَجاةِ

فَاِشرَب عَلى قَرنِ الزَمانِ وَلا تَمُت

أَسَفاً عَلَيهِ دائِمَ الحَسَراتِ

وَاِنظُر إِلى دُنيا رَبيعٍ أَقبَلَت

مِثلَ النِساءِ تَبَرَّجَت لِزُناةِ

وَإِذا تَعَرّى الصُبحُ مِن كافورِهِ

نَطَقَت صُنوفُ طُيورِها بِلُغاتِ

وَالوَردُ يَضحَكُ مِن نَواظِرِ نَرجِسٍ

فُدِيَت وَآذَنَ حُبُّها بِمَماتِ

فَتَتَوَّجَ الزَرعُ السَنِيُّ بِسُنبُلٍ

غَضِّ الكَمائِمِ أَخضَرِ الشَعراتِ

وَالكَمأَةُ الصَفراءُ بادٍ حَجمُها

فَبِكُلِّ أَرضٍ مَوسِمٌ لِحَياةِ

فَكَأَنَّ أَيديهِم وَقَد بَلَغَ الدُجى

يَفحَصنَ في الميقاتِ عَن هاماتِ

وَتَظَلُّ غِربانُ الفَلا فيما اِدَّعَت

يَأكُلنَ لَحمَ الأَرضِ مُبتَدِراتِ

وَالغَيثُ يُهدي الدَمعَ كُلَّ عَشِيَّةٍ

لِغُيومِ يَومٍ لَم يُحَط بِنَباتِ

وَتَرى الرِياحَ إِذا مَسَحنَ غَديرَه

صَقَّلنَهُ وَنَفَينَ كُلَّ قَذاةِ

ما إِن يَزالُ عَلَيهِ ظَبيٌ كارِعٌ

كَتَطَلُّعِ الحَسناءِ في المِرآةِ

وَسَوابِخٌ يَجذِفنَ فيهِ بِأَرجُلٍ

سَكَنَت عَلَيهِ بِكَثرَةِ الحَرَكاتِ

فَتَخالِهُنَّ كَرَوضَةٍ في لُجَّةٍ

وَكَأَنَّما يَصفِرنَ مِن قَصَباتِ

وَيُغَرِّدُ المُكّاءُ في صَحرائِهِ

طَرَباً لِتَرنيحٍ مِنَ النَشَواتِ

يا صاحِ غادِ الخَندَريسَ فَقَد بَدا

شِمراخُ صُبحٍ لاحَ في الظُلُماتِ

وَالريحُ قَد باحَت بِأَسرارِ النَدى

وَتَنَفَّسَ الرَيحانُ بِالجَنّاتِ

شَفِّع يَدَ الساقي وَطيبَةَ مائِهِ

في السُكرِ كُلَّ عَشِيَّةٍ وَغَداةِ

وَمُعَشَّقِ الحَرَكاتِ يَحلو كُلُّهُ

عَذبٌ إِذا ما ذيقَ في الخَلَواتِ

ما إِن يَزالُ إِذا مَشى مُتَمَنطِقاً

بِمَناطِقٍ مِن فِضَّةٍ قَلِقاتِ

فَكَأَنَّهُ مُستَصحِباً صِنّاجَةً

في حَضرَةٍ مِن كَثرَةِ الجَلَباتِ

طالَبتُهُ بِمَواعِدٍ فَوَفى بِها

في زَورَةٍ كانَت مِنَ الفَلَتاتِ