سقيا لمنزلة الحمى وكثيبها

سُقِياً لِمَنزِلَةِ الحِمى وَكَثيبِها

إِذ لا أَرى زَمَناً كَأَزماني بِها

ما أَعرِفُ اللَذاتِ إِلّا ذاكِراً

هَيهاتَ قَد خَلَّفتُ لَذّاتي بِها

وَبَكيتُ مِن جَزعٍ لِنَوحِ حَمامَةٍ

دَعَتِ الهَديلَ فَظَلَّ غَيرَ مُجيبُها

نُحنا وَناحَت غَيرَ أَنَّ بُكاءَنا

بِعُيونِنا وَبُكائَها بِقُلوبِها

مَنَعَ الزِيارَةَ مِن شُرَيرَةَ خائِفٌ

لَو يَستَطيعُ لَباتَ بَينَ جُيوبِها

ساءَت بِكَ الدُنيا وَسَرَّت مَرَّةً

فَأَراكَ مِن حَسَناتِها وَذُنوبِها

وَيَجُرُّني بِالمَطلِ مَوعِدُ حاجَةٍ

لَو شِئتُ قَد بَرَدَ الغَليلُ بِطيبِها

مَحبوسَةٍ في كَفِّ مَطلِكَ طالَما

عَذَّبتَني وَشَغَلتَ آمالي بِها

خَلِّ العَواذِلَ لَيلَةً قاسَيتُها

وَالناجِياتُ بِنَصِّها وَدُؤوبِها

يَحمِلنَ وَفدَ الشُكرِ فَوقَ رِحالِها

وَالشاكِرُ النَعماءِ كَالجاري بِها

بَيضاً وَمَسَّهُمُ الهَجيرُ بِسُمرَةٍ

مِثلَ البُدورِ سَطَعنَ تَحتَ سُحوبِها

لَمّا رَأَيتَ المُلكَ شَظّى عودَهُ

وَهَوَت كَواكِبُ سَعدِها بِغُروبِها

حَرَّكتَ تَدبيراً عَلَيهِ سَكينَةً

وَخَلَطتَ ضَحكَةَ حازِمٍ بِقُطوبِها

وَذَخَرتَ لِلأَعداءِ أُسدَ وَقائِعٍ

صُبُراً عَلى غُمّاتِها وَكُروبِها

أُسدٌ فَرائِسُها الفَوارِسُ لا تَطا

إِلّا عَلى الأَقرانِ يَومَ حُروبِها

كَم فِتنَةٍ لاقَيتَ فيها فُرصَةً

فَحَتَمتُها وَوَثَبتَ قَبلَ وُثوبِها

راعَيتَ جانِبَها بِلَحظٍ حازِمٍ

فَطِنٍ بِعَقرَبِ عِلَّةٍ وَدَبيبِها

كَم قائِلٍ وَالهامُ تُنظَمُ في القَنا

لا يُصلَحُ الخَرَزاتِ غَيرُ ثُقوبِها

قُطبٌ يُديرُ رَحى الحَوادِثِ حَولَهُ

مُتَفَرِّدٌ بِصُروفِها وَخُطوبِها

وَعُهودِ ميثاقٍ أَخَذتَ وَزِدتَها

شَدّاً كَما عُقِدَ القَنا بِكُعوبِها

وَعَزائِمٍ رَعهَدتُها في صَمتِهِ

لا تَكشِفُ الأَوهامُ سِترَ غُيوبِها

وَالبيضُ لا يَهتِكنَ ما لاقَيتَهُ

إِلّا بِصَوتِ مُتونِها وَرُكوبِها

وَلَرُبَّ أَشرارٍ لِنَفسٍ نالَها

أَعدائُها مِن خِلِّها وَحَبيبِها

وَتَنالُ ما فاتَ العَجولَ تَمَهُّلاً

وَدَوّمُ حُضرِ الخَيلِ في تَقريبِها

كَم دَولَةٍ مَرِضَت وَأَبرَأَها لَنا

لَولاهُ بَرَّحَ سُقمُها بِطَبيبِها

وَلَرُبَّ سَمعٍ قَد قَرَعتَ بِحُجَّةٍ

هَذَّبتُها مِن شَكِّها وَعُيوبِها

أَثنى عَلَيها بِالصَوابِ حَسودُها

وَقَضى عَلَيها خَصمُها بِوُجوبِها

إِعطائُها التَوفيقَ مِن كَلِماتِهِ

بَيضاءَ ساطِعَةً لِمَن يَسري بِها