سلمت أمير المؤمنين على الدهر

سَلِمتَ أَميرَ المُؤمِنينَ عَلى الدَهرِ

وَلا زِلتَ فينا باقِياً واسِعَ العُمرِ

حَلَلتَ الثُرَيّا خَيرَ دارٍ وَمَنزِلٍ

فَلا زالَ مَعموراً وَبورِكَ مِن قَصرِ

فَلَيسَ لَهُ فيما بَنى الناسُ مُشبَهٌ

وَلا ما بَناهُ الجِنُّ في سالِفِ الدَهرِ

وَما زالَ يَرعاهُ الإِمامُ بِرَأيِهِ

وَبِالعُزِّ وَالتَقديمِ وَالنَهيِ وَالأَمرِ

فَتَمَّ فَما في الحُسنِ شَيءٌ يُريدُهُ

لِسانٌ وَلا قَلبٌ بِقَولٍ وَلا فِكرِ

سَيُثني عَلَيهِ مِن مَحاسِنِ قَصرِهِ

مَدائِحَ لَيسَت مِن كَلامٍ وَلا شِعرِ

يُشيرُ إِلى رَأيٍ مُصيبٍ وَحِكمَةٍ

وَجَودٍ لَدى الإِنفاقِ بِالبيضِ وَالصُفرِ

جِنانٌ وَأَشجارٌ تَلاقَت غُصونُها

فَأَورَقنَ بِالأَثمارِ وَالوَرَقِ الخُضرِ

تَرى الطَيرَ في أَغصانِهُنَّ هَواتِفاً

تَنَقَّلُ مِن وَكرٍ لَهُنَّ إِلى وَكرِ

هَجَرتَ سِواها كُلَّ دارٍ عَرَفتَها

وَحَقَّ لِدارٍ غَيرِ دارِكَ بِالهَجرِ

وَبُنيانُ قَصرٍ قَد عَلَت شَرَفاتُهُ

كَصَفِّ نِساءٍ قَد تَرَبَّعنَ في الأُزرِ

وَأَنهارُ ماءٍ كَالسَلاسِلِ فُجِّرَت

لِتُرضِعَ أَولادَ الرَياحينِ وَالزَهرِ

وَميدانُ وَحشٍ تَركُضُ الخَيلَ وَسطَهُ

فَيُؤخَذُ مِنها ما يَشاءُ عَلى قَدرِ

إِذا ما رَأَت ماءَ الثُرَيّا وَنَبتَهُ

يَسيرُ وَثَوبُ الكَلبِ فيهِنَّ وَالصَقرِ

عَطايا إِلَهٍ مُنعِمٍ كانَ عالِماً

بِأَنَّكَ أَوفى الناسِ فيهُنَّ بِالشُكرِ

حَكَمتَ بِعَدلٍ لَم يَرى الناسُ مِثلَهُ

وَداوَيتَ بِالرُفقِ الجُموحَ وَبِالقَهرِ

وَلا بَأسَ أَنكى مِن تَثَبُّطِ حازِمٍ

وَلا دِرعَ أَوقى لِلنُفوسِ مِنَ العُمرِ

وَما زِلتَ حَيَّ المُلكِ تُرجى وَتُتَّقى

وَتَفتَرِسُ الأَعداءَ بِالبيضِ وَالسُمرِ

وَما لَيثُ غابٍ يَهدِمُ الجَيشَ خَوفُهُ

بِمَشيَةِ وَثّابٍ عَلى النَهيِ وَالزَجرِ

يَجُرُّ إِلى أَشبالِهِ كُلَّ لَيلَةٍ

عَقيرَةَ وَحشٍ أَو قَتيلاً مِنَ السَفرِ

إِذا ما رَأوهُ طارَ جَمعُهُمُ مَعاً

كَما طَيَّرا النَفخُ التُرابَ عَنِ الجَمرِ

جَريءٌ أَبيٌّ يَحسِبُ الأَلفَ واحِداً

بَعيدٌ إِذا ما كَرَّ يَوماً مِنَ الفَرِّ

يُزَعزِعُ أَحشاءَ البِلادِ زَئيرُهُ

وَيُبطِلُ أَبطالَ الرِجالِ مِنَ الذُعرِ

إِذا ضَمَّ قِرناً بَينَ كَفَّيهِ خِلتَهُ

يُعاني عَروساً في غَلائِلِها الحُمرِ

فَحَرَّمَ أَرضَ الحائِرينَ وَمائَها

فَهَيهاتَ مَن يَغدو عَلَيها وَمَن يَسري

بِأَجرَأَ مِنهُ حَدَّ بَأسٍ وَعَزمَةٍ

إِذا ما نَزا قَلبُ الجَبانِ إِلى النَحرِ

فَكُلُّ أُناسٍ يُشهِرونَ أَكُفَّهُم

دَعاءً لَهُ بِالعِزِّ فيهِم وَبِالنَصرِ