ألا عظة إن الزمان خؤون

ألا عظةٌ إنَّ الزمانَ خؤونُ

وإنَّ ملمَّاتِ الزمانِ فنونُ

لقد آن أن تُجلى الخطوبُ عن العمى

وتُلْفى شكوكٌ للمنى وظنون

فكم قد مَضَتْ من أُمَّةٍ إثْرَ أُمَّةٍ

وقَرْنٌ يليه بعد ذاك قرون

وقد أبصرَتْ عيني وأَصغتْ مسامعي

لو انَّ صفاةً للفؤادِ تلين

فلم أرَ إلاَّ وافداً قد تحللت

عُرى رَحْلِهِ حتَّى يُقالَ ظعين

ولا غابراً إلا على إثْرِ سالفٍ

أَوائِلُهُمْ للآخرينَ رُهون

ولا فرحاً إلا وأَعقبَ يَوْمَهُ

من الدهر نَوْحٌ دائمٌ وشجون

فَبُؤْسَى لصرفِ الدهر كم مرَّ عنده

تراثٌ لنا لا ينقضي وديون

وقد كان يُنْبي عن نصيحةِ مُشْفقٍ

علينا ولكنَّ النصيحَ ظنين

وبالأمسِ قد رُوِّعتُ ملءَ جوانحي

بنعيٍ يَسُدُّ الأفْقَ منه طنين

أتاني فلم يُمْهِلْ لأفزعَ عنده

إلى كذبٍ حتى استفاضَ يقين

ووافى كمثلِ الصبحِ عُرْيان كلَّما

تُكذِّبه عينُ البصيرِ يَبين

فيا حسرتا أن مالَ للبين والنوى

وأقفرَ من ليثِ المجالِ عرين

وصوَّحَ غصنٌ من ذرى المجدِ ناضرٌ

وأَقوى من القصرِ الرفيع مكين

فما للرُّبى لا جادها بارقُ الحيا

ترفُّ أزاهيرٌ لها وغصون

وما للجبالِ الصمِّ لم تنصدعْ أَسىً

وللزهرِ خَفْقٌ بَعْدَهُ وسكون

وما للظُّبا لم تنبُ منها مضاربٌ

وللسمرِ لم تُقْصَفْ لهنَّ متون

كذا يُكْسَفُ البدرُ المنيرُ متمماً

كذا يَعْقُبُ الصبحَ المنيرَ دُجون

كذا يُسْتَضامُ المجدُ وهو مؤثَّلٌ

كذا يُسْتَخَفُّ الطَّوْدُ وهو رصين

كذا يذهبُ الجود الحَلالُ وترتمي

نوىً بالسجايا العاطراتِ شَطونُ

كأن لم تكنْ تلك الصوارمُ والقنا

بطاعتِهِ يومَ الهياجِ تدين

كأنْ لم يكنْ للدهرِ عِلْقَ مَضِنَّةٍ

تَحَلَّى به أيامُهُ فيَزين

كأنْ لك يكنْ في رمحِهِ وسنانِهِ

منايا العدا تدنو به وتحين

أما خجلتْ من كرِّهِ وجِلادِه

فوارسُ كَفَّتْ عنه وهي صُفُون

ألم تكترثْ للمجدِ والجودِ والعلا

صوارمُ ما اهتزَّتْ بهنَّ يمين

وقد كان بالسمر الذوابلِ في الوغى

مصوناً كما صانَ العيون جفونُ

فهلاَّ وقد خاضَ المكارةَ لُجَّةً

وقاهُ من الجُرْدِ العِتاقِ صَفين

وإذ كان لا يهوى الفرار من الردى

حماهُ من المجدِ الأثيلِ مكين

وهلاَّ به ضنَّ الزمانُ فإنَّه

على أنْ يرينا مثلَهُ لضنيني

فإن يكُ قد ولَّى حميداً فإنما

له اللهُ بالذخرِ الجسيمِ ضمين