فإني أنحس الثقلين طرا

فإنّي أَنحَسُ الثّقلينِ طُرّاً

فَكُل النّحس يُنْقَلُ عن مِثالي

وَلَما صِرتُ بينَ الناسِ أُلحى

تَعَلَمتُ الفُجورَ مَعَ المحالِ

أَدورُ على بيوت الناس لَيْلاً

وأَنْهَقُ كالحمير وكالبِغالِ

رَحيقاً في الكؤوسِ تُرى حَريقاً

إذا مُزِجَتْ منَ الماءِ الزُّلالِ

هِيَ الخمرُ التي عَقلي لَدَيها

يُخامِرُني فُأمسي في اختلالِ

فَطوراً مُنْشِداً شِعراً بَديعاً

وآونةً أُبَشْلِقُ كالخيالِ

وَتُبصِرني رَسيلاً للمغاني

إذا عَأينتُ أَحوى ذا جَمالِ

وكم أَمسيتُ في الجَوَلانِ سطلاً

مَعَ الفُقَراء أَرقُصُ في حبال

وَتَحْسَب أَنَّ لي طَرَباً وحالاً

وَمالي غير شَرْدات الضّلالِ

وأكل الفارِ والأَمزارِ دأبي

معَ المهتار عَنْتَرَ أَو بِلالِ

جَبَيْت السّوقَ أَجرد رأس كتفي

وأجبي بالمشاعلِ والمخالِ

وَرَقّصت الدِّبابَ وَرحت أَجبي

على قِرْدٍ تَعَلّمَ من فعالي

وَعَلّمتُ الكلابَ الرَّقصَ منِّي

وَهَذَّبتُ النّواشِرَ في السِّلالِ

وَعُدْتُ مُقامِراً في دارِ لِصٍّ

بِفَصِّ النّردِ مَنجوسَ الفعالِ

وكم ناطَحْتُ بالكَبْشَينِ نَطْحاً

وأَلجيتُ الدُّيوكَ إلى القتالِ

ولكنّي رأَيتُ العلمَ زَيناً

فَعُدتُ إلى المدارس والجدالِ

وَثُبْتُ فَصِرتُ في الفقهاءِ أَقضي

وأفتي في الحرام وفي الحلال

وَنَظمُ الشِّعرِ صرتُ به فَريداً

وطلتُ بهِ على السّبع الطوال

وقطّعتُ العروضَ بِفاعلاتنْ

بأوتادٍ وأسباب ثِقالِ

وَعلمُ النّحوِ فيهِ النّصبُ فَنِّي

على مَن كانَ ذا جاهٍ ومال

وطبّبْتُ الأنامَ فكم أُناسٍ

قَتَلْتُهُمُ بِقْبضٍ وانسِهالِ

وداويتُ العيونَ فكم جُفونٍ

بِكُحلي ما تَنامُ مدى الليالي

وَصِرْتُ منَ الفلاسِفِ ذا محلٍّ

اسَفْسِطُ بالمراء وبالمحالِ

وفي الأَعشابِ والأسلابِ عِلمي

له البيطارُ يُصْفَعُ بالنعالِ

وَعُدْتُ إلى المقابرِ ربَّ وَعْظٍ

وَمُقرِئها على الرِّمَم البوالي

وألقيتُ الحياءَ وراءَ ظَهْري

وَلَمْ يَخْطُرْ بِباليَ أَنْ أُبالي