خطاب الرزايا إنه جلل الخطب

خِطابُ الرَزايا إنّهُ جلل الخَطْبِ

وسَلْمُ المَنايا كالخَديعَةِ في الحربِ

تُريدُ منَ الأَيّام كَفَّ صُروفِها

أَمُنتَقِلٌ طَبْعُ الأفاعي عنِ اللّسبِ

وتَلقى المنايا وهيَ في عَرَض المُنى

وكم أجَلٍ للطير في مَلْقَطِ الحَبِّ

تناوَمَ كلّ الناس عمّا يُصيبُهُم

وهمْ من رزايا دهرهم سَلَمُ العَصْبِ

بكأسِ أبِينا آدمٍ شُرْبُنا الّذي

تضَمّنَ سُكرَ الموْت يا لك من شرْبِ

إذا ورث المولودُ عِلّةَ والدٍ

فعدِّ بهِ عنْ حيلةِ البرءِ والطبِّ

حُتوفٌ على سَرْحِ النّفوسِ مغيرةٌ

فقلْ كيف تغدو وهيَ آمنةُ السّرْبِ

يَسُنّ عليه الذِّمْرُ عذراءَ نثرةً

تَخال بها التَأنيث في الذكر العَضبِ

على الجِسمِ مِنها الذَوب إن فاضَ سرْدها

كفيضِ أتِيٍّ والجمود على الكَعبِ

ويُصميهِ سهمٌ مُصْرَدٌ ليس يُتّقَى

له في الحشا رامٍ تَسَتّرَ بالخلبِ

وليس بمعصومٍ من الموْتِ مُخْدَرٌ

له غَضَبٌ يبدو بحملاقَةِ الغَضْبِ

كأنّ سكاكيناً حداداً رؤوسها

مغرّزة في فيهِ في جانِبَيْ وقْبِ

فكيفَ نَردّ الموْت عَنْ مُهجاتنا

إذا غَلبت منه ضراغمةُ الغلبِ

وقاطعةٌ طولَ السُّكاكِ وَعَرضه

تُحلّق من بُعْدِ السماءِ على قربِ

إِذا بَرقَ الإِصباح هزّ انتفاضَها

من الظلّ أشباهُ العواملِ والقضبِ

مباكرة صيدَ الطيور فما تَرى

طريدتَها إلا مخضخضَةَ القعبِ

وعَصمٌ إذا استَعصَمن في شاهِقٍ رَقَتْ

إِلَيها بنات الدّهْرِ في المرْتَقَى الصّعبِ

عَلى أَنها تنقضّ من رأس نيقها

على كلّ رَوْقٍ عند قرْعِ الصَفا صَلبِ

سَينسفُ أمْرُ اللّهِ شمَّ جبالها

كما تَنْسِف الأرواحُ مُنْهالةَ الكثبِ

لكلٍّ حياةٌ ثمَّ موتٌ ومبعثٌ

إِذا ما التقى الخَصمانِ بين يَدَيْ ربِّي

وتُستوقَف الأفلاك عَن حَركاتِها

ويسقُط دريّ النجوم عن القطب

ألم تأتِ أهلَ الشرقِ صرخةُ نائحٍ

يُفيِض غروبَ الدمع من بلدِ الغربِ

سَقى اللَّه قَبراً ثائراً بسفاقسٍ

سواجمَ يَرْضى الترب فيها عنِ السحبِ

فقد عَمّهُ الإعْظامُ منْ قَبْرِ عَمّةٍ

أنوحُ عليها بالنحيب إلى النّحْبِ

بدمع يمدّ البحرُ في السَّيْفِ نحوه

إذا الحزن منه واصل السَكبَ بالسَكبِ

ولو آمنُ الإغراقَ أضْعَفْتُ سَحّهُ

ولكنّ قلبي الرطبَ رَقّ على قلبي

برغمي نَعَتْها ألْسُنُ الركب للعلى

فكيف أرُدّ النّعْيَ في ألسُنِ الرَكبِ

غريبةُ قبرٍ عن قبور بأَرضها

مجاورةٌ في خطّة الطعْنِ والضّربِ

كريمةُ تقوى في صلاة تقيمها

وصومٍ يَحُطّ الجسمُ منه عَلى الجَدبِ

زَكَتْ في فروعِ المَكرماتِ فروعُها

وأَنجبتِ الدُنْيا بآبائها النُّجبِ

ولَما عَدمنا من بهاليلِ قَومها

مَآتِم تَبكيها بَكَينا مع الشُهبِ

حَمَدنا بُكاءَ الزُّهْرِ بنتَ محمّد

وهَل نَدبت إلّا ابنةَ السيد الندبِ

مضَتْ ولها ذِكْرٌ منَ الدينِ والتّقى

تفسّرُهُ للعُجم ألسِنةُ العُربِ

أَيُصبحُ قلبي بالأَسى غيرَ ذائبٍ

وقلبُ الثَرى قاسٍ على قلبها الرّطبِ

وكنتُ إذا ما ضاق صدري بحادثٍ

فزعتُ بنجواه إلى صدرِها الرَحبِ

وتُذْهِبُ عنّي همّ نفسي كأنّها

شَفَتْ غُلّةَ الظَمآنِ بالبارِدِ العذبِ

أهاتفَةً باسمي عليّ تَعَطّفاً

حنينَ عطوفٍ شقّ سامِعَتيْ سَقْبِ

أبوكِ الذي من غرسه طالتِ العُلى

وأُسْنِدَ عامُ المحْل فيِه إِلى الخِصبِ

تَنَسّكَ في بِرٍّ ثمانينَ حِجّةً

فيا طولَ عُمْرٍ فيه فرَّ إلى الرّبِ

ضَمَمْتُ إلى صَدري بكفّيّ جسمَهُ

وأسندتُ مخضرّ الجَنابِ إلى الجَنبِ

تبرّكَتِ الأيدي بتَسوِيَةِ الثرَى

على جَبَلٍ راسي الأناةِ على هَضْبِ

أغارَ لهم ماءُ الجَموم بعبرة

أمِ انبَتّ في أيديهمُ كَرَبُ الغَرْبِ

فَيا لَيتَني شاهدتُ نَعشَكِ إذ مَشى

حواليه لا أهلي حفاةً ولا صَحبي

ودَفْنَكِ بالأيدي الغريبةِ والْتَقَتْ

مع المَوتِ في إِخفاءِ شَخصِك في حدبِ

فأَبسطَ خَدّي فوق لَحدِكَ رحمةً

وتُسْفي عليه التربَ عينايَ بالهدبِ

أرى جسمك المرموسَ من روحه عفا

وأصبحَ معموراً به جَدَثُ التربِ

فلو أنّ روحي كان كسبي وهبتُهُ

لجسمك لكن ليس روحِيَ من كسبي

ولَوْ تُنظم الأحساب يوماً قَلائِداً

لقلد منها جَوْهَرُ الحسبِ اللّبِ

أبا الحسن الأيامُ تَصْرَعُ بالغِنى

وتُعْقِبُ بالبلوى وتخدَع بالحبِّ

مَصابُكَ فيها من مصابي وجدتُه

وحزنُك من حُزني وكَربك من كَربي

فَصَبْراً فَلَيْسَ الأجرُ إلّا لِصابرٍ

على الدهر إن الدهر لم يَخلُ من خطبِ

ألم ترَ أنّا في نوىً مُستمرّةٍ

نَروحُ ونَغدو كالمُصرّ على الذّنْبِ

فَلا وَصلَ إلّا بَينَ أسمائنا الّتي

تسافرُ منّا في مُعَنْوَنَةِ الكتبِ

فَدائِمَة السقيا سماءُ مدامعي

لخدي وأرض الخدّ دائِمةُ الشربِ