طرقت والليل ممدود الجناح

طَرَقَتْ واللّيلُ مَمدودُ الجَناحْ

مَرْحباً بالشّمسِ في غيرِ صَباحْ

سلّمَ الإيماءُ عنها خجلاً

أوَمَا كان لها النّطقُ مُباح

غادَةٌ تَحملُ في أجفانِها

سقماً فيه منيّاتُ الصحاح

بتُّ منها مُستعيداً قُبَلاً

كانَ لي مِنها عَلى الدّهرِ اقتراح

أَلثم الدّرَّ حصىً ينبع لي

بزلالٍ ناقعاً فيه التياح

وأُروّي غُلَلَ الشّوقِ بما

لم يكُنْ في قُدْرَةِ الماءِ القَراح

باعتناقٍ ما اعتنَقْناهُ خَنىً

والتزامٍ ما التزمناهُ سفاح

ما على من صادَ في النّوم لَهُ

شَرَكُ الحلمِ مهاةً من جُناح

همتُ بالغيدِ فلو كنت الصِّبا

لم يكُنْ منّيَ عنهنّ بَرَاح

ورددتُ الشيبَ عنها معرضاً

بكلامِ السّلمِ أو كلْم الكفاح

عَلِّلِ النّفسَ بريحانٍ وراحْ

وأطِعْ ساقِيَها واعصِ اللّواح

وأدِرْ حمراءَ يسري لُطُفاً

سُكْرُها منْ شمِّها في كلّ صَاح

لا يغرّنّكَ منها خَجَلٌ

إنّها تُبديه في خدٍّ وَقَاح

واعْلُهَا بالماءِ تَعْلَمْ منهما

أنّ بينَ الماءِ والنّارِ اصطلاح

وإذا الخَمْرُ حماها صِرْفُهَا

تَرَكَ المزْجُ حماها مُسْتَباح

خلّني أُفْنِ شَبابي مَرَحاً

لا يُرَدّ المهرُ عن طَبْع المراح

إنّما يَنْعَمُ في الدّنْيا فَتىً

يدْفَعُ الجِدّ إليها في المزاح

فاسقِني عن إذْنِ سلطانِ الهَوَى

ليس يَشفي الرّوحَ إلّا كأسُ راح

وانتَظرْ للحلمِ بعدي كرّةً

كم فسادٍ كان عُقْباهُ صلاح

فالقضيبُ اهتَزّ والبَدرُ بدا

والكثيبُ ارتَجّ والعنبرُ فاح

والثريّا رجحَ الجوُّ بها

كابنِ ماءٍ ضمَّ للوكرِ جناح

وكأنّ الغَربَ منْها ناشقٌ

باقةً من ياسمينٍ أو أقاح

وكأنّ الصبحَ ذا الأنوار من

ظُلَمِ اللّيلِ على الظلماءِ صاح

فاشرَبِ الراحَ ولا تُخْلِ يداً

من يدِ اللّهوِ غُدُوّاً ورواح

ثَقّلِ الرّاحةَ مِنْ كاساتِها

برَداحٍ من يَدِ الخودِ الرّداح

في حديقٍ غَرَسَ الغَيثُ بهِ

عَبقَ الأرواح مَوْشيَّ البطاح

تعقلُ الطَّرفَ أزاهير به

ثمّ تعطيه أزاهيرَ صراح

أرْضَعَ الغَيمُ لباناً بانَهُ

فَتَربّتْ فيه قاماتُ المِلاح

كُلّ غصنٍ تَعتري أعطافَهُ

رِعْدَةُ النَشوانِ مِن كَأسِ اصطِباح

يكتسي صبغةَ وَرْسٍ كُلّما

ودَّعت في طَرَف اليَومِ براح

فكأنّ التربَ مِسْكٌ أذفَرٌ

وكأنّ الطلّ كافورُ رباح

وكأنّ الرّوْضَ رَشّتْ زَهْرَهُ

بمياهِ الوردِ أفواهُ الرّياح

أفَلا تَغنَمُ عَيشاً يقتَضي

سَيرُهُ عنكَ غُدوّاً ورواح

وإذا فارَقتَ ريعانَ الصِّبا

فَاللّيالي بأمانيكَ شِحاح