هذا ابتداء له عند العلى خبر

هذا ابتداءٌ له عند العُلى خَبَرُ

يُحْكَى فيُصْغي إليْه الشُّهْبُ والبشَرُ

كأنّه وهو من مَتْنِ الصّبا مَثَلٌ

من كلّ قُطْرٍ منَ الدنْيا له خَبَرُ

ما اسْتُحْسنَ الدَّهرُ حَتَّى زانه حَسَنُ

وأشرقت في الورى أيامُهُ الغررُ

شهمٌ له حينَ يَرمي في مناضلةٍ

سهمٌ مواقعه الأحداقُ والثغرُ

لو خُصَّ عَصْرُ شبابٍ مِنْ سعادته

بلحظةٍ لم يَنَلْهُ الشيبُ والكبرُ

مُلْكٌ جديدُ المعالي في حمى ملك

ماضٍ كما طُبِعَ الصمصامة الذكرُ

لَقَد نَهَضتَ بِعِبءِ الملكِ مُضطلعاً

به ظهيراكَ فيه السّعْدُ والقدرُ

فإن نُصِرْتَ على طاغٍ ظفرتَ به

فما حليفاك إلا النصر والظفرُ

وإن خَفَضْتَ عُداةَ اللّه أو خُذلوا

فأنْتَ باللّهِ تستعلي وتنتصرُ

أصبحتَ أكبرَ تُعْطي كلّ مرتبةٍ

حقّاً وسنّكَ مقرُونٌ بها الصغرُ

يُخْشَى حُسَامُكَ مغموداً فكيف إذا

ما سُلّ للضرب وانهدّتْ به القَصَرُ

وليس يعجبُ من بأس مخايله

من مقلتيكَ عليها يشهد النظرُ

والشبلُ فيه طباعُ الليثِ كامنةٌ

وإنّما ينتضيها النّاب والظفرُ

إنّ البِلادَ إذا ما الخوْفُ أمْرَضَها

ففي أمانك من أمراضها نُشرُ

وما سفاقسُ إلا بَلْدَةٌ بعثَتْ

إليك عنها لسانَ الصدق تعتذرُ

وأهلها أهلُ طَوْعٍ لا ذنوبَ لهم

إنِّي لأُقسم ما خانوا وما غَدروا

وإنّما دافعوا عن حتف أنفسهم

إذ خَذّمَتْهُمْ به الهنديّةُ البترُ

ضرورةٌ كان منهم ما به قُرفوا

وبالضرورةَ عنهم نَكّبَ الضررُ

وَقَد جَرى في الَّذي جاؤوا به قَدَرٌ

ولا مَرَدّ لما يجري به القَدَرُ

وما على النَّاسِ في إِحسانِ مملكةٍ

إذا تشاجرَ فيه المدّ والحَسَرُ

كُلٌّ لِعَلياكَ قد كانَت حَمِيَّتُهُ

مؤكِّداً كلّ ما يأتي وما يَذرُ

وهم عبيدُكَ فاصفحْ عن جميعهمُ

فالذنْبُ عند كريم الصفح مُغْتَفَرُ

بَكَوْا أباك بأجفانٍ مؤَرَّقة

أمْوَاهُهُنّ مِنَ النيرانِ تَنفجرُ

وَرَحمَةُ اللَّه تَترى منهُمُ أَبداً

عَلَيهِ ما كَرّتِ الآصالُ والبُكَرُ

حَتَّى إِذا قيلَ قد حازَ العُلى حَسَنٌ

مَدّوا إلى أحمَدَ الألحاظَ وانتظروا

وقَبّلوا من مذاكي خيله فَرحاً

حوافراً قد علا أرساغَها العفرُ

مالوا عليها ازدحاماً وهي تَرْمَحُهُمْ

فكم بها من كسيرٍ لَيسَ يَنجَبِرُ

شوقاً إليهم ومحضاً من وفائهمُ

لم يَجْرِ في الصّفْوِ من أخلاقه كدرُ

أَبوكَ مَدَّتْ عليهم كفُّ رأفتِهِ

منها جناحاً مديداً ظلّه خَصِرُ

حَدَّتْ لَهُم في قَوامِ الأَمرِ طاعتُهُ

حدّاً فما وَرَدُوا عنه ولا صَدَروا

وألَّفَ اللَّهُ في الأوطانِ شَملهُمُ

فنُظّموا في المغاني بعدما نُثروا

وأَنت عَدْلٌ فسِرْ فيهم بسيرَتِهِ

فالعَدْلُ في المُلكِ عنه تُحْمد السيرُ

أنتمْ مُلوكُ بني الدُّنْيا الَّذين بهمْ

تَرْضَى المنابِرُ والتيجانُ والسررُ

أعاظمٌ من قديم الدَّهر مُلْكُهُمُ

تَرَى المَفاخِرَ تَسْتَخْذي إذا افتخروا

من كلّ مقتحمٍ في الحرب مُعْتَزِم

فمن فرائسه آسادُها الهُصُرُ

ذِمْرٌ له في ضمير الغِمْد ذو شطبٍ

كأنّه بارقٌ يسطو به قمرُ

شُمْسُ العداوَةِ حَتّى يُستقادَ لهم

وأعظمُ النّاسِ أحلاماً إذا قَدَروا

إِلَيكَ طَيِّبَ روض المدح نَفْحَتهُ

لمّا تَفتّحَ فيه بالنّدى زَهَرُ

يَجوبُ مِنهُ ذَكِيُّ المِسكِ كُلَّ فلاً

طيباً ويعبرُ منه العنبر الذفرُ

كأنّ زُهْرَ الدراري فيه قد نُظِمَتْ

كما تنظّمُ في أسلاكِها الدررُ

يا من تضاعفَ فيضُ الجود من يدِهِ

كأنَّما البحرُ من جَدْوَاهُ مُختَصَرُ

إنّي نَأيتُ وحظِّي حُطَّ منزلةً

كأنّما طول باعي عاقَهُ قِصَرُ

وقد نُسيتُ وذكري لا خفاءَ به

والمِسكُ يُطْوَى ونشرٌ منه ينتشرُ

وقَد بَعَثتُ رِثاءً في أَبيكَ ولي

حُزْنٌ عَلَيهِ فُؤادي مِنهُ يَنفَطِرُ

وما بدا ليَ جُودٍ أمَرْتَ به

عينٌ تفوز به عيني ولا أَثَرُ

وكفّكَ المزنُ تسْقي من دَنَا ونأى

وليس من غيرِ مُزْنٍ يرتجى المطرُ

بَقيتَ للدينِ والدّنيا وأهلَهُما

وَمُدّ في رتب العليا لك العمرُ