واعمر بقصر الملك ناديك الذي

واعمُرْ بقصرِ المُلْك ناديكَ الذي

أضحى بمجدك بيته معمورا

قصرٌ لوَ انَّكَ قد كحلتَ بنوره

أعمى لعادَ إلى المقام بصيرا

واشتقّ من معنى الحياة نسيمه

فيكادُ يُحْدِثُ للعظام نُشورا

نُسيَ الصبيحُ مع المليح بذكره

وسما ففاقَ خورنقاً وسديرا

ولوَ اَنَّ بالألوان قوبلَ حسنُهُ

ما كان شيءٌ عنده مذكورا

أعيت مصانعه على الفُرْسِ الألى

رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا

ومضَتْ على الرّومْ الدهورُ وما بنوْا

لملوكهم شَبَهاً له ونظيرا

أذكرْتَنَا الفرْدوْس حينَ أرَيْتَنَا

غُرَفاً رفعتَ بناءَها وقصورا

فالمحسنون تَزَيّدوا أعمالهمْ

وَرَجَوْا بذلك جَنّةً وحريرا

والمذنبون هُدوا الصراطَ وَكفّرَتْ

حسناتُهُمْ لذنوبهم تكفيرا

فَلَكٌ من الأفلاكِ إلّا أنّهُ

حَقَرَ البدورَ فأطلعَ المنصورا

أبصرتُهُ فرأيتُ أبدعَ منظرٍ

ثم انثنيتُ بناظري محسورا

وظننتُ أني حالمٌ في جَنّةٍ

لمّا رأيتُ الملكَ فيه كبيرا

وإذا الولائدُ فَتّحَتْ أبوابَهُ

جَعَلَتْ ترحّبُ بالعُفاةِ صريرا

عَضّتْ على حلقاتهنّ ضراغمٌ

فَغَرَتْ بها أفواهَها تكسيرا

فكأنّها لَبَدَتْ لتهصرَ عندها

من لم يكنْ بدخوله مأمورا

تجري الخواطرُ مطلقاتِ أعنةٍ

فيه فتكبو عن مداه قصورا

بمرخَّم الساحاتِ تحسبُ أنّهُ

فُرِشَ المَها وتَوَشّحَ الكافورا

ومحصَّبٍ بالدرّ تحسبُ تربَهُ

مسكاً تَضَوّعَ نشره وعبيرا

يستخلفُ الإصباحُ منه إذا انقضى

صبحاً على غَسَقِ الظلام منيرا

وضراغمٌ سَكَنَتْ عرينَ رئاسةٍ

تركتْ خريرَ الماء فيه زئيرا

فكأنّما غَشّى النّضارُ جُسومَهَا

وأذابَ في أفواهِها البلّورا

أُسْدٌ كأنّ سكونَها متحرّكٌ

في النفس لو وجدتْ هناك مثيرا

وتذكّرَتْ فتكاتها فكأنّما

أقعتْ على أدبارها لتثورا

وتخالُها والشمسُ تجلو لونَها

ناراً وألسُنَها اللواحسَ نورا

فكأنّما سُلّتْ سيوفُ جداولٍ

ذابتْ بلا نارٍ فَعُدْنَ غديرا

وكأنما نسج النسيم لمائه

درعاً فقدر سردها تقديرا

وبديعةِ الثّمَرَاتِ تعبُرُ نحوها

عينايَ بحرَ عجائبٍ مسجورا

شجريةٍ ذهبيةٍ نزعتْ إلى

سحر يؤثّر في النهى تأثيرا

قد صَوْلَجَتْ أغصانَها فكأنّما

قَنَصَتْ لهنّ من الفضاء طيورا

وكأنّما تأبى لواقع طيرها

أن تستقلّ بنهضها وتطيرا

من كلّ واقعةٍ ترَى منقارها

ماءً كسلسال اللجين نميرا

خُرْسٌ تُعدّ من الفصَاح فإن شدَتْ

جعلتْ تغرّدُ بالمياه صفيرا

وكأنّما في كلّ غصنٍ فضةٌ

لانتْ فأُرسِلَ خيطها مجرورا

وتريكَ في الصّهريج موقعَ قَطْرِهَا

فوْقَ الزّبَرْجَدِ لؤلؤاً منثورا

ضحكتْ محاسنُهُ إليك كأنّما

جُعلتْ لها زُهرُ النجوم ثغورا

ومصَفَّحِ الأبوابِ تبراً نَظّروا

بالنقش بين شكوله تنظيرا

تبدو مساميرُ النضارِ كما عَلَت

فلك النهود من الحسان صدورا

خَلَعَتْ عليه غلائلاً ورسيَّةً

شمسٌ تردّ الطرفَ عنه حسيرا

وإذا نَظَرْتَ إلى غرائبِ سَقفهِ

أبصرتَ روضاً في السماء نضيرا

وعجبتَ من خطّافِ عسجده الّتي

حامتْ لتبني في ذراه وكورا

وضعتْ به صنّاعُهُ أقلامَها

فأرَتْكَ كلّ طريدةٍ تصويرا

وكأنّما للشمس فيه ليقةٌ

مَشَقوا بها التّزْويقَ والتشجيرا

وكَأنّما للأزَوَرْد مُخَرِّمٌ

بالخطّ في وَرَقِ السماءِ سطورا

وكأنّما وَشّوْا عَلَيه ملاءَةً

تركوا مكان وشاحِها مقصورا

يا مالكَ الأرض الّذي أضحى له

مَلِكُ السماءِ على العداة نصيرا

كم من قصورٍ للملوك تَقَدّمَتْ

واستوْجَبَتْ لقصورك التّأخيرا

فعمرتها وَملَكتَ كلّ رئاسةٍ

منها ودمّرْتَ العدا تدميرا