أدرها كما مج الندى ورق الورد

أَدِرْهَا كما مَجَّ النَّدَى وَرَقُ الوَرْدِ

وأَشْرَقَ جِيدُ الجُود في لُؤلُؤِ العِقْدِ

حبابٌ على صهباءِ راحٍ كأنَّهُ

فُتاتٌ من الكافور في العَنْبر الوَرْد

تَخَيَّلْتُها مصروعةً في مِزَاجها

بما مَلأَتْ فاها من الزَّبَدِ الجَعْد

كَواها سِنانُ الماء طعناً فَدُرِّعَتْ

مخافةَ عَوْدِ الطَّعْن بالْحَبَبِ السَّرْد

نَجِيعيّةٌ حمراءُ ضُمَّ زجاجُها

عليها كم ضُمَّ النقابُ على الخطِّ

إذا قرعَ الإبريقُ جاماً تَطَايرَتْ

كما طارَ بالقَدْح الشَّرارُ من الزَّنْدِ

لها لَمعانُ البَرْقِ والكأسُ دونها

غمامٌ وللإبريق قَعْقَعَةُ الرَّعْدِ

وغِمْدِ زُجاجٍ من بَنَاني نجادُهُ

لسيفِ مدامٍ لا يَمَانٍ ولا هِنْدِي

نُجَرِّدَ منه كلَّ ماضٍ مُخَضَّبٍ

وما سُفِحتْ منه دماءٌ على حِقْد

إِذا جالَ فيه جوهرٌ من حَبَابهِ

وسُلَّ كما سُلَّ النِّجارُ من الوَغْد

نقلناه للأَجسامِ منَّا كأنما

تضايقَ في غِمْدٍ فَرُدَّ إِلى غمد

يشق جيوبَ الليل عنَّا اتّقادُهُ

كما شَقَّ ذُو الثُّكْلِ الحدادَ على الفَقْدِ

غزالٌ لوَرْدِ الكأس في نُدَمائِهِ

إِذا ما سقاها بطشةُ الأَسَدِ الوَرْد

تثنتْ به راحُ الصَّبا تحتَ بُرْده

وَهُزَّ فخلنا نشوةَ الراح بالبَرْد

وأَبْدَى من الجَمْر المُضَرَّمِ وَجْنَةً

وقام من الماءِ الزُّلال على قَدِّ

وأبقى عبيرَ الخدِّ مسكُ عِذارهِ

كما احمرَّ بُرْدٌ شُقَّ عن نَحْرِ مُسْوَدِّ

وحار سوادُ القلبِ في نارِ حُبِّه

فكان الذي أُخفيه مثلَ الذي أُبْدي

وظلَّ يُسَقِّي كلَّ ذي صَفْوَةٍ أخٍ

بأَصْفَى وأَحلى من لَمَاهُ ومن وُدِّي

ولا يمنعُ المعروفَ عن مُسْتَحِقِّهِ

كمن يَحْجُبُ الحَيْرَانَ عن طُرُق الرشد

إذا خانتِ الأَيدي حبالٌ تَمَسَّكُوا

بحبلٍ إلى السرِّ الإلهِيِّ مُمْتَدِّ

عجبتُ لطِرْسٍ منك لم يَغْدُ مُحْرِقاً

وقد حُلَّ مما شَبَّ فِكْرُكَ من وَقْدِ

ومن أَلْسُنٍ إن قلتَ كلَّتْ كأنما

جَمَدْنَ بما في نظمهنَّ من البَرْدِ

ونعمَ خليلُ المرءِ مثلي يَرَى الذي

صَفَا من وداد الخلِّ أَغْنى من الرِّفْدِ

إذا لم أَجِدْ عند الصديقِ تجلُّداً

على حَمْلِ ثقْلي كانَ واجِدَهُ عندي