أحبب بتياك القباب قبابا

أحْبِبْ بتَيّاكَ القِبَابِ قِباباً

لا بالحُداةِ ولا الركابِ رِكابا

فيها قلوبُ العاشقينَ تخالُها

عَنَماً بأيْدي البِيضِ والعُنّابا

بأبي المهَا وحْشِيّةً أتْبَعْتُها

نَفَساً يُشيّعُ عِيسَها ما آبا

واللّهِ لولا أن يُسفّهني الهوى

ويقولَ بعضُ القائلينَ تصابَى

لكسْرتُ دُمْلُجَها بضيق عناقِها

ورشفتُ من فيها البَرودِ رُضابا

بِنْتُمْ فلولا أن أُغيّرَ لِمتي

عَبَثاً وألقاكمْ عليّ غِضابا

لخَضَبْت شَيباً في عِذاري كاذباً

ومَحَوْت محْوَ النِّقسِ عنه شبابا

وخلعْتُه خلْعَ العِذارِ مُذَمَّماً

واعتَضْتُ مِن جِلبابِهِ جِلبابا

وخضَبْتُ مُسْوَدَّ الحِداد عليكُمُ

لو أنّني أجِدُ البَياضَ خِضابا

وإذا أردتَ على المشيبِ وِفادَةً

فاجعلْ إليه مَطيّكَ الأحقابا

فلتأخذَنّ من الزمان حَمامَةً

ولتدفعنّ إلى الزّمانِ غُرابا

ماذا أقول لريبِ دَهْرٍ جائرٍ

جَمَعَ العُداةَ وفرّقَ الأحبابا

لم ألقَ شيئاً بعدَكم حسَناً ولا

مَلِكاً سوى هذا الأغرّ لُبابا

هذا الذي قد جَلّ عن أسمائهِ

حتى حسبناها له أَلقابا

من ليس يرضى أن يسمى جعفراً

حتى يسمى جعفر الوهابا

يَهَبُ الكتائبَ غانماتٍ والمَهَا

مُستَردَفاتٍ والجِيادَ عِرابا

فكأنّما ضرَبَ السّماءَ سُرادقِاً

بالزّابِ أو رَفعَ النّجومَ قِبابا

قد نالَ أسباباً إلى أفلاكِها

وسيَبْتَغي من بَعدِها أسْبابَا

لبِسَ الصّباحُ به صَباحاً مُسْفرِاً

وسقَتْ شَمائِلُه السّحابَ سحابَا

قد باتَ صَوْبُ المُزْن يسترِقُ النّدى

من كفّه فرأيتُ منه عُجابَا

لم أدْرِ أنّى ذاك إلاّ أنّني

قد رابَني من أمرِهِ ما رابَا

وبأيّ أُنمُله أطافَ ولم يَخَفْ

من بأسِها سَوطاً علَيهِ عَذابَا

وهوَ الغريقُ لئنْ توسّطَ موجَها

والبحرُ مُلتَجٌّ يَعُبُّ عُبابَا

ماضي العزائمِ غيرُه اغتَنَمَ اللُّهَى

في الحربِ واغتنَمَ النفّوسَ نِهابَا

فكأنّه والأعوَجيَّ إذا انتَحَى

قمَرٌ يُصرّفُ في العنانِ شِهابَا

ما كنتُ أحسَبُ أن أرَى بشراً كذا

ليثاً ولا دِرْعاً يسمّى غابَا

وَرداً إذا ألقَى على أكتادِهِ

لِبْداً وصرّ بحَدّ نابٍ نابَا

فرَشَتْ له أيدي الليوثِ خدودَها

ورَضينَ ما يأتي وكنّ غِضابا

لولا حفائظهُ وصَعْبُ مِراسِهِ

ما كانتِ العرَبُ الصّعاب صِعابا

قد طيّبَ الأفواهَ طِيبُ ثنائِهِ

فَمِنَ اجلِ ذا نجدُ الثّغورَ عِذابا

لو شَقّ عن قلبي امتحانُ ودَادهِ

لوجدتَ من قلبي عليه حجابا

قد كنتُ قبلَ نَداكَ أُزجي عارضاً

فأشيمُ منه الزِّبرجَ المُنجابا

آليتُ أصدُرُ عن بحارك بعدما

قِستُ البحار بها فكنّ سرابا

لم تُدْنِني أرضٌ إليكَ وإنّما

جِئْتُ السماءَ ففُتّحَتْ أبوابا

ورأيتُ حولي وَفْدَ كلّ قبيلةٍ

حتى توهّمتُ العراقَ الزّابا

أرضاً وَطئْتُ الدُّرَّ رَضراضاً بها

والمسكَ ترباً والرّياضَ جنابا

وسمِعْتُ فيها كلّ خُطبة فَيْصَلٍ

حتى حَسِبْتُ مُلوكَها أعْرابا

ورأيتُ أجبُلَ أرضها مُنقادةً

فحسِبْتُها مدّتْ إليكَ رِقابا

وسألتُ ما للدّهرِ فيها أشْيَباً

فإذا به من هوْل بأسكَ شابا

سَدّ الإمامُ بكَ الثغورَ وقبلَهُ

هَزَمَ النبيُّ بقوْمكَ الأحزابا

لو قلتُ إنّ المُرهَفاتِ البِيضَ لم

تُخْلَقْ لغَيركُمُ لقُلتُ صَوابا

أنتُمْ ذَوُو التيجانِ من يَمنٍ إذا

عُدّ الشّريفُ أرومةً ونِصابا

إن تمتثِلْ منها الملوكُ قصورَكمْ

فَلَطالَما كانوا لها حُجّابا

هَلْ تشكُرَنّ ربيعةُ الفَرَسِ التي

أوْلَيْتُمُوها جَيئَةً وذَهَابا

أو تحمدُ الحمراءُ من مُضَرٍ لكُمْ

مَلِكاً أغَرّ وقادةً أنجابا

أنتُمْ منَحْتُمْ كلّ سيّد معشَرٍ

بالقُرْبِ من أنسابكم أنسابا

هَبْكُمْ مَنحْتُمْ هذه البِدَرَ التي

عُلِمَتْ فكيف منحتُمُ الأنسابا

قلتم فأُصمِتَ ناطِقٌ وصَمَتُّمُ

فبلغتمُ الإطنابا والإسهابا

أقسمتُ لو فارقتُمُ أجسامَكم

لَبَقيتُمُ من بعْدها أحبابا

ولوَ اَنّ أوطانَ الدّيارِ نَبَتْ بكم

لَسَكنتُمُ الأخلاقَ والآدابا

يا شاهِداً لي أنّه بَشَرٌ ولوْ

أنبأتُهُ بخصاله لارتابا

لكَ هذه المُهَجُ التي تدعَى الوَرَى

فأمُرْ مُطاعَ الأمْرِ وادْعُ مُجابا

لو لم تكن في السلم أنطَقَ ناطقٍ

لكفاكَ سيفُك أن يُحيرَ خِطابا

ولئن خرجتَ عن الظنونِ ورجمِها

فلَقَدْ دخلْتَ الغيبَ باباً بابا

ما اللّهُ تاركَ ظُلْمِ كفّكَ للُّهى

حتى يُنَزّلَ في القِصاصِ كتابا

ليس التعَجّبُ من بحَارِكَ إنّني

قِسْتُ البحارَ بها فكُنّ سَرابا

لكنْ من القَدَرِ الّذي هو سابِقٌ

إنْ كانَ أحْصَى ما وَهَبْتَ حسابا

إني اختصرْتُ لك المديحَ لأنّه

لم يَشْفنِي فجعلْتُهُ إغبابا

والذّنْبُ في مَدْحٍ رأيتُكَ فوقهُ

أيُّ الرّجال يُقالُ فيكَ أصابا

هَبْني كذي المحراب فيك ولُوّمي

كالخصْمِ حين تَسَوّرُوا المِحرابا

فأنا المُنيبُ وفيه أعظمُ أُسْوةٍ

قد خَرّ قبلي راكعاً وأنابا