قفا فلأمر ما سرينا وما نسري

قِفا فلأمْرٍ ما سَريْنا وما نَسْري

وإلاّ فمشياً مثلَ مشْي القطا الكُدري

قِفا نتَبَيَّنْ أينَ ذا البرْقُ منهُمُ

ومن أين تسري الرّيح عاطرةَ النَّشْر

لعلَّ ثرَى الوادي الذي كنتُ مرّةً

أزورُهُمُ فيه تَضَوَّعَ للسَّفْر

وإلاّ فذا وادٍ يسيلُ بعنبرٍ

وإلاّ فما تدري الرِّكابُ ولا ندري

أكُلَّ كِناسٍ في الصَّريمِ تظنّه

كِناسَ الظباء الدُّعج والشُدَّن العُفر

فهَلْ علِموا أنّي أسِيرٌ بأرْضِهِمْ

وما لي بها غَيرُ التعسُّفِ منْ خُبرِ

ومن عجَبٍ أنّي أُسائلُ عنهمُ

وهُمْ بينَ أحْناءِ الجوانجِ والصدر

ولي سَكَنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ

فيبعُدُ عن عيني ويقرُبُ من فِكري

إذا ذكرَتْهُ النفسُ جاشتْ لذكرهِ

كما عثَرَ السّاقي بكأسٍ من الخمر

ولم يُبْقِ لي إلاّ حُشاشَةَ مُغْرَمٍ

طوَى نفَسَ الرَّمضاءِ في خلل الجمر

وما زِلْتُ تَرميني الليّالي بنَبْلِها

وأرمي اللّيالي بالتجلُّدِ والصَّبرِ

وأحملُ أيّامي على ظَهرِ غادةٍ

وتَحْمِلُني منها على مركَبٍ وعر

وآليْتُ لا أُعطي الزّمانَ مَقادَةً

إلى مثلِ يحيَى ثمّ أُغضي على وَتْرِ

وأنْجَدَني يحيَى على كلِّ حادثٍ

وقلَّدَني منه بصَمصَامتَيْ عَمْرِو

وخوَّلَني ما بينَ مَجدٍ إلى لُهىً

وأورثَني ما بينَ عُقْرٍ إلى عُقْرِ

حَللْتُ به في رأس غُمْدانَ مَنعةً

وتوَّجني تاجاً من العِز والفخر

وما عبِتُهُ إلاّ بأني وصَفتُهُ

وشبّهْتُهُ يوماً من الدهرِ بالقَطر

وما ذاكَ إلاّ أنّ ألسُنَنا جَرَتْ

على عادةِ التشبيه في النظمِ والنثر

فلا تسألاني عن زماني الذي خَلا

فوَالعصْرِ إني قبل يحيَى لفي خُسر

وحسبي بجَذْلانٍ كأنّ خِصالَهُ

أكاليلُ دُرٍّ فوقَ نَصْلٍ من التّبر

رقيقِ فِرِندِ الوجهِ والبِشرِ والرِّضَى

صقيلِ حواشي النفس والظرفِ والشعر

فيا ابنَ عليٍّ ما مدحتُك جاهِلاً

فإنكّ لم تُعدَلْ بشَفْعٍ ولا وَتْر

ويا ابنَ عليٍّ دُمْ لمَا أنْتَ أهْلُهُ

فأهْلٌ لعَقْدِ التاجِ دونَ بني النضر

فتىً عندهُ البيتُ الحرامُ لآمِلٍ

ولي منه ما بينَ الحَجون إلى الحِجر

ولمّا حططتُ الرَّحْلَ دون عِراصِهِ

أخذتُ أمانَ الدهر من نُوَب الدهر

وكادَ نَداهُ لا يَفي بالّذي جَنى

عليَّ من الإثم المُضاعَفِ والوِزْر

وذلكَ أني كنْتُ أجْحَدُ سَيْبَه

ومعروفَه عندي لعجزي عن الشكر

إذا أنا لم أقدِرْ على شُكْرِ فضْلِهِ

فكيْفَ بشكْرِ اللّه في موضعِ الحَشْر

حَنيني إليْهِ ظاعِناً ومُخيِّماً

وليسَ حنينُ الطيرِ إلاّ إلى الوكْرِ

فما راشتِ الأملاكُ سَهماً يَريشُه

وما بَرَتِ الأملاكُ سَهماً كما يَبري

فقد قيَّدَ الجُرْدَ السوابقَ بالرُّبَى

وقطَّعَ أنفاسَ العناجيج بالبُهْر

فيا جبلاً من رحمةِ اللّه باذِخاً

إليه يفِرُّ العُرْفُ في زمَن النُّكر

فداؤكَ حتى البدرُ في غَسَق الدُّجى

منيراً وحتى الشمس فضْلاً عن البدر

سلَبْتَ الحُسامَ المَشرَفيَّ خِصالَهُ

فهزَّتُهُ فيه ارتعادٌ من الذُّعر

ولو قيل لي مَنْ في البرِيّةِ كلِّها

سِواكَ على علمي بها قلتُ لا أدري

ألستَ الذي يَلْقى الكتائبَ وحدَهُ

ولو كُنَّ من آناءِ ليلٍ ومن فَجْرِ

ولو أنّ فيها رَدْمَ يأجوجَ من ظبىً

مُشَطَّبَةٍ أو مِن رُدَيْنِيّةٍ سُمْر

فرِفْقاً قَلِيلاً أيها الملِك الرِّضَى

بنفسك واتركْ منك حظّاً على قَدْر

فذاكَ وهذا كلُّهُ أنت مُدرِكٌ

فأشفقْ على العَليا وأشفِق على العمر

فبالسَّعْي للعَليا يُشادُ بناؤهَا

وفي اللهوِ أيضاً راحةُ النفس والفكر

ومن حقِّ نفسٍ مثل نفسك صَونُها

ليوم القَنا الخطِّيِّ والفتكةِ البِكر

ولو لم تُرِحْ صِيدُ الملوكِ نفوسَها

وَنَينَ لما حُمِّلْنَ من ذلك الإصر

غَضارةُ دنيا واعتدالُ شَبيبَةٍ

فما لك في اللذّاتِ واللهوِ من عُذر

ولا خيرَ في الدّنيا إذا لم يفُزْ بها

مليكٌ مُفَدّىً في اقتِبالٍ من العمر

ألا انْعَمْ بأيّامٍ ألَذَّ من المُنى

تحلَّتْ بآدابٍ أرَقَّ من السَّحر

فرغت من المجد الذي أنت شائد

فجرَّ ذيول العيش في الزمن النضر

لَتَهدا جِيادٌ ليس تنفكُّ من سُرىً

ويسكُنُ غمضٌ ليس تنفكُّ من نَفر

ومثلُك يدعو المرهَفَ العضْبَ عزمُه

وتدعُو هواه كلَّ مُرهَفَةِ الخَصر

وما زلت تروي السيف في الرَّوع من دمٍ

فحقُّك أن تَرْوي الثرى من دم الخمر

وتنعَمَ بالبِيض الأوانسِ كالدُّمى

وتَرفُلَ من دُنياكَ في حُلَلٍ خُضر

وإنَّ التي زارتك في الحِذْرِ مَوْهِناً

أحَقُّ المَها بالخُنزُوانةِ والكِبر

يَوَدُّ هِرقَلُ الرّوم ذو التاج أنّه

يَنالُ الذي نالتْه من شرفِ القدر

حَباكَ بها مَن أنتَ شطرُ فؤادِهِ

وما شطْرُ شيءٍ بالغنيِّ من الشطر

أخوكَ فلا عَينٌ رأتْ مثلَهُ أخاً

إذا ما احتبى في مجلس النهي والأمر

وقد وقعَتْ منك الهديّةُ إذ أتَتْ

مواقعَ برد الماء من غَلَل الصدر

فمِن مَلِكٍ سامٍ إلى مَلِكٍ رِضىً

تهادتْ ومن قَصرٍ مُنيفٍ إلى قَصر

فما هي إلاّ السعدُ وافقَ مطلعاً

وما هي إلاّ الشمسُ زُفَّت إلى البدر

ستَنمي لك الأقيالُ من آلِ يعرُبٍ

ذوي الجفنات البِيضِ والأوجُه الغُرِّ

وقُلتُ لِمُهديها إليك عقيلةً

مُقابَلَةَ الأنسابِ مُعرَقَةَ النَّجر

حبوْتَ بها من ليس في الأرض مثلُه

لجيشٍ إذا اصْطكَّ العِرابُ ولا ثَغر

فيا جعفر العَلياء يا جعفرَ النّدى

ويا جعفرَ الهيجاء يا جعفرَ النصر

لَنِعْمَ أخاً في كلِّ يوْم كريهَةٍ

تصولُ بهِ غيرَ الهِدانِ ولا الغَمر

كبدر الدجى كالشمس كالفجر كالضحى

كصرف الردى كالليث كالغيث كالبحر

لَعمري لقد أُيّدتَ يومَ الوغى به

كما أُيِّدتْ كفّاكَ بالأنمل العَشر

لذلك ناجى اللّهَ موسى نبيُّهُ

فنادى أن اشرح ما يَضيقُ به صدري

وَهَبْ لي وَزيراً من أخي أستعِنْ به

وشُدَّ به أزري وأشركْه في أمري

لنِعْمَ نِظامُ الأمرِ والرُّتَبِ العُلى

ونِعْمَ قِوامُ المُلكِ والعسكر المَجر

إليك انتمى في كلِّ مجدٍ وسودَدٍ

ويكفيه أن يُعزَى إليك من الفخر

وخلفَك لاقى كلَّ قَرْمٍ مُدَجَّجٍ

ومن حِجرِك اقتاد الزمانَ على قَسر

فما جالَ إلاّ في عجاجك فارساً

ولا شَبَّ إلا تحتَ راياتك الحُمر

قررتَ به عيناً وأنتَ اصطنَعْتَهُ

وشِدْتَ له ما شِدتَ من صالح الذكر

فما مثلُ يحيَى من أخٍ لك تابِعٍ

ولا كبَنِيهِ من جَحاجِحَةٍ زُهر

ولستَ أخاه بل أباهُ كفلتَهُ

وآوَيتَهُ في حالةِ العُسْرِ واليُسر

يَوَدُّ عليٌّ لو يَرى فيهِ ما تَرَى

لِيعلَمَ آيَ النَّصْلِ والصارم الهَبر

إذاً قامَ يُثْني بالذي هو أهلُهُ

عليه ثَناءً واستهلَّ من العَفْر

وما كنتُ أدري قبل يحيَى وجعفَرٍ

بأنَّ ملوكَ الأرض تُجمَعُ في عَصر

عجِبْتُ لهذا الدهرِ جادَ بجعْفَرٍ

ويحيَى وليس الجودُ من شِيَمِ الدهر

وما كانتِ الأيامُ تأتي بمثلكم

قديماً ولكن كنتُمُ بَيْضَةَ العُقر

وما المدحُ مدحاً في سواكم حقيقةً

وما هو إلا الكفرُ أو سببُ الكفْر

ولو جاد قومٌ بالنفوس سماحةً

لَما منعتْكُمْ شيمةُ الجود بالعمر

إذا ما سألتُ اللّهَ غيرَ بقائكُمْ

فلا بؤتُ بالإخلاصِ في السرِّ والجَهر

أأدعو إلهي بالسّعادةِ عندكُمْ

وأنتم دَراريُّ السعود التي تَسري

أأبغي لديه طالباً ما كفيتَهُ

وأسألُهُ السُّقيا ودجلةُ لي تجري

لَعمري لقد أجرَضْتموني بنَيلكُم

وحمّلْتُموني منه قاصمةَ الظَّهر

أُسِرْتُ بما أسديتُمُ مِن صَنيعةٍ

وما خِلتُكُمْ ترضَوْنَ للجارِ بالأسْرِ

فمهلاً بني عَمّي وأعيانَ مَعْشَري

وأملاكَ قومي والخضارمَ من نجري

فلا تُرهِقُوني بالمزيدِ فحسبُكمْ

وحسبي لديكُم ما ترَوْنَ من الوَفرِ

أسَرَّكُمُ أنّي نهضْتُ بلا قُوىً

كما سَّركم أنّي اعتذرتُ بلا عذر

وإنّي لأسْتَعفيكُمُ أن ترونَني

سريعاً إلى النُّعمى بطيئاً عن الشكر

فإنْ أنا لم أستحيِ ممَا فعلتُمُ

فلستُ بمستحيٍ من اللؤمِ والغَدْر