سرت ولواء الصبح قد كاد ينشر

سَرت وَلِوَاءُ الصُبحِ قَد كادَ يُنشَرُ

وَحِبرُ الدُجى عَن مُهرَقِ الأُفقِ يُبشِرُ

وَفَوقَ طَلاها مِن حُلاها كَواكِبٌ

تَغارُ بِها شُهبُ الدُجى فَتُغَوِّرُ

وَقَد ضِقتُ دَرعاً بَينَ شَوقِي وَهَجرِها

كَما ضاقَ خَلخالٌ عَلَيها وَمِئزَرُ

مُحَجَّبَةٌ باحَ الضِياءُ بِسِرِّها

وَنَمَّ بِمَسراها النَسيمُ المُعَطَّرُ

تَوَخَّت مَسِيراً في الظَلام تَسَتّرا

أَلِلبَدرِ في جُنح الظَلامِ تَسَتُّرُ

وَلَو لَم تُرِد أَن يَطلُعَ الصبحُ مُسفِراً

لَما طَلَعَت تفتَرُّ طوراً وَتُسفِرُ

فَهَلّا بِلَيلٍ مِن ذَوائِبِها سَرَت

عَلى أَنَّهُ مِن بَهجَةِ الحُسنِ مُقمِرُ

بَكَت أَو تَباكَت رِقَّةً لِمحِبِّها

فَيا مَن رَأى طَلّاً عَلى الوَردِ يَقطُرُ

وَوَشّحتُها عِندَ العِناقِ بِأَدمُعِي

فَرِيعَت وَقالَت ما لِعِقدِيَ يُنثَرُ

فَيا زائِراً لي ما وَفَيتُ بِحَقِّهِ

وَلِي في ثَرى نَعلَيهِ خَدٌّ مُعَفَّرُ

وَما قَدرُ نَفسي أَن أَرى مِنهُ مُتحِفاً

رَسُولاً أَتى بِالوَصلِ مِنهُم يُبَشِّرُ

وَلا

يُطِيلُ بِها خَلعَ العِذارِ فَيُعذَرُ

وَإِذا أَنا في عَينِ الكَواعِبِ شادِنٌ

غَرِيرٌ وَفي الهَيجاءِ لَيثٌ مُزَعفَرُ

زَمانِيَ مُبيَضٌّ وَفَودِيَ أَسوَدٌ

وَنَصلِيَ مُحمَرٌّ وَعَيشِيَ أَخضَرُ

فَقَد صِرتُ في حَربِ الغَوانِي مُغَلّباً

كَما أَنا في الحَربِ العَوانِ مظَفَّرُ

أَلَيسَ عَجِيباً أَنّ طِرفِيَ بِالظُبا

أَنيسٌ وَطَرفِي للظِباءِ مُنَفِّرُ

وَزَهواءَ تُنسِي الغُصنَ حُسنَ اِنثِنائِهِ

هَصرتُ بِها غُصنَ المُنى وَهُوَ مُزهِرُ

لَها مِعطَفٌ لَو عَلّمَ اللينَ قَلبَها

لَما باتَ قَلبي لَوعَةً يَتَفَطَّرُ

وَطَرفٌ يُناجِيني مِراراً بِحُبِّهِ

وَيَغلِبُني فيهِ التَصابي فَأُجهِرُ

قَوِيٌّ عَلى قَتلِ المُحبِّ وَإِنَّهُ

لَأَضعَفُ مِن صَبري لَها حينَ تهجُرُ

يُسَهِّدُ أَجفانَ الوَرى وَهُوَ ناعِسٌ

وَيَهدِي لِنَهج الحُبِّ وَهُوَ مُحَيَّرُ

وَإِن ضَحِكَت أَبدَت حِجابَ زَبَرجَدٍ

عَلى خاتَمٍ فيهِ عَقِيقٌ وَجَوهَرُ

وَأَلمى إِذا قَبَّلتُ قُلتُ مِزاجُه

رَحِيقٌ وَسَلسالٌ وَشَهدٌ وَعَنبَرُ

فَيا ظَمَئِي للعَذبِ هَل مِنكَ مَورِدٌ

وَيا مَورِدي في الحُبِّ هَل مِنكَ مَصدَر

وَيا عَجَباً لي يَرهَبُ اللَيثُ سَطوَتي

وَللشّادِنِ المَذعُورِ قَلبِيَ يَذعَرُ

وَبِي غادَةٌ تَسبي الحُلومَ وَتَستَبِيَ

وَتَسحَبُ أَذيالَ الجَمالِ وَتسحَرُ

وَقَد أَودَعت قَلبي جَحِيماً مِن الهَوى

وَفي خَدِّها عَدنٌ وَفي الثَغرِ كَوثَرُ

وَلَم أَنسَ يَومَ البين مِنها التِفاتَةً

وَقَد قُرِّبَت للبَينِ عِيسٌ وَضُمَّرُ

وَتَودِيعَها لِي بِالجُفونِ إِشارَةً

فَهِمتُ بِها سِرَّ الهَوى وَهُوَ مُضمَرُ

وَلَمّا خَلا رَبعٌ وَزُمّت رَكائِبٌ

وَوَدّعَ أَحبابٌ وَفارَقَ مَعشَرُ

رَحَلتُ وَفي غِمدِي صَباحٌ لِيَهتَدُوا

إَلَيهِ وَفي جَفنِي سَحابٌ لِيُمطَروا

إِلى أَن حَداني الشَوقُ نَحوَ حِلالِهِم

فَأَبصَرتُ في الأَرضِ الكَواكِبَ تَزهَرُ

وَفِي القُبّةِ الحَمراءِ مُذهَبَةُ الحُلى

مُوَرَّدَةُ الجِلباب وَالحُسنُ أَحمَرُ

عُذِرتُ عَلى شَوقِي إِلى حُسنِ وَجهِها

عَلى البُعدِ وَالمُشتاقُ في القُربِ أَعذَرُ

وَقَد يَصبِرُ الصادِي إِذا الماءُ عَزّهُ

وَلَكِن مَتى يُبصِرهُ عَزَّ التصَبُّر

سَرَيتُ لَها مَسرى النَسيم تَوَقِّياً

عَلَيها وَصَوناً مِن حَدِيثٍ يُشَهَّرُ

وَرَفَّعتُ عَنها السِجفَ وَهيَ بِغَفلَةٍ

تُغَنّي بِأَشعارِي فَتَبكِي وَتَسهَرُ

فَما راعَها إِلّا جَواهِرُ أَدمُعي

يُضاحِكُها فِي الكَفِّ عَضبٌ مُجَوهَرُ

فَبَينَ اِرتياحٍ وَارتياعٍ تَمايَلت

عَلَيَّ وَقد مالَ الرِداءُ المحَبَّرُ

وَقالَت بِنَفسِي أَنتَ غَرَّرت في الهَوى

فَقُلتُ اعذُرِي إِنَّ المُحِبَّ مُغَرَّرُ

لِتَعنِيقِ ذاكَ العِطفِ خاطَرتُ في السَرى

وَعانَقتُ أَعطافَ القَنا وَهِيَ تَخطِرُ

فَيا ظبيَةَ القَصرِ الَّذي بِفِنائِهِ

سَوابِحُ تُردِي أَو صَوارِمُ تَشهَرُ

أَجِيبي مَشُوقاً جابَ مِن شَوقِكِ الفَلا

وَزارَكِ وَالآسادُ حَولَكِ تَزأرُ

بِنَظرَةِ عَينٍ مِنكَ باعَ حَياتَهُ

وَيا رِبحَهُ إِن كانَ بِالسُولِ يَظفَرُ

وَقَومُكِ قَبلَ اليَوم قَد نَذَرُوا دَمِي

وَمِثلُ دَمي في حالَةٍ لَيسَ يُهدَرُ

وَما شافِعِي إِلّا هَواكِ وَإِن أَكُن

عَزيزاً فَذُلّي فيكِ أَجدى وَأَجدَرُ

هَبِي أَنَّ لي مِن سَيفِ قَومِكِ ثائِراً

فَلَو مِتُّ مِن عَينَيكِ مَن كانَ يَثأَرُ

فَرَقَّت وَراقَتها ضَراعَةُ عاشِقٍ

لَهُ لَو أَرادَ الفَخرَ عِزٌّ وَمَفخَرُ

وَقالَت أَقِم فِي لَذّةٍ مُتَسَتِّراً

وَما العَيشُ إِلّا لَذَّةٌ وَتَسَتُّرُ

فَبِتُّ يُغَنِّيني الوِشاحُ فَأَنثَنى

طَرُوباً وَتَسقِيني الجُفونُ فَأسكَرُ

وَأَضمرتُ في شَكوى المَحبّة رِقّةً

فَهِمتُ نَسيمَ الفَجرِ عَنها يُعَبِّرُ

فَواحَرَّ قَلبي حِينَ قامَت مَرُوعَةً

لِبَردٍ مِن الخَلخالِ بِالصُبحِ يُنذِرُ

وَمالَت إِلى التَوديعِ وَالبَينُ فاضِحٌ

مِنَ الشَوقِ ما كانَ التَواصُل يَستُرُ

تُسَكِّنُ بِاليُمنى فُؤاداً مُرَوَّعاً

وَتَمسَحُ بِاليُسرى دُمُوعاً تَحَدَّرُ

وَقالَت حَبِيبَ النَفس ما أَوجَعَ النَوى

وَأَشجى قُلوباً فارَقَت وَهِيَ تَصبِرُ

أَلا لَيتَ شِعري بَعدَ يَومِ فِراقِنا

أَيُمكِنُ جَمعُ الشَملِ أَم يَتَعَذَّرُ

وَقالَت وَقاكَ اللَهُ كُلّ مَخافَة

تَخَوَّف عَيُوناً في ارتِقابِكَ تَسهَرُ