جلت عن حجابي خجلة وتنقب

جَلَتْ عَنْ حِجابَيْ خَجلةٍ وتَنقُّبِ

كما لاحَ بَدْرٌ عن سَحابٍ وغَيْهبِ

فتاةٌ غَدا دَهري يُماطِلُني بِها

فأُعْتِبُهُ حتَّى انْثَنى للتَّعَتُّبِ

مَهدْتُ لها من فَضْلِ وُدِّيَ جانِباً

إلى أنْ دَنَتْ مِنْ بَعْد طُول تَجَنُّبِ

نَضَتْ عن مُحَيَّا الصُّبح سِجْفَ غَمامَةٍ

ولاحَت بمرأىً في المَلاحَةِ مُغْرِبِ

فصدَّت لِحاظي عن سَناها مَهابةً

بها حَجْبُها عَنِّي إذا لم تَحجَّبِ

أتتْ تتَهادى بَيْنَ أتْرابِها صِباً

فقُل ظَبيةٌ قَدْ أقبلَتْ وسْطَ رَبْرَبِ

مَهاةٌ جَرَى ماءُ الحياةِ بِثَغرِها

رُضاباً أعاذَتْهُ المَنونُ بِعَقْرَبِ

خَصِيبةُ طَيِّ الأزْرِ جَدْبٌ وِشاحُها

فرِدْفٌ لِبَغذاذٍ وعِطفٌ لِيَثْربِ

تَزُرُّ على البَدْرِ المُنيرِ جُيوبَها

فلا حُسْنَ إلّا ضمنَ ذاكَ المُنَقَّبِ

مُنَعَّمَةُ الأطرافِ تَعبثُ بالنُّهى

كما عَبثتْ أيامُ هَجري بمأْرَبِي

إذا ما اعْتَزت في الحُسنِ بانَ اعتزازُها

بِشَمْسِ الضحى أُمٍّ وبَدْرِ الدُّجى أبِ

مِنَ الواضِحاتِ الغُرِّ لو أنَّها سَرَتْ

بأكْمَهَ لَيْلاً مازَها عَنْ تَنَقُّبِ

فَما الشَّمسُ قد لاحَتْ ضُحىً وسْطَ مَشرقٍ

بأملحَ منها قدْ تَجلَّتْ بِمغْرِبِ

جُويريةٌ تَجري دَماً في مَفاصِلي

فقد ذَهَبَتْ بي في الهَوى كُلَّ مَذْهَبِ

تُريكَ انْعِطافَ القُضْبِ والطَيرُ ساجعٌ

إذا ماانْثَنَتْ رَقْصاً بصَوْتٍ مُطَرِّبِ

أيا جَنَّةً مِن رِيقها كوْثرٌ لَها

تُرى مَشْرقي في الحُبِّ مِنْك مُقَرّبي

نَهضْتُ بفَرضِ الحبِّ أبغي تَنعُّماً

لَديكِ فَمَنْ نَعَّمْتِهِ لم يُعَذَّبِ

ثِقي بوِدادي حالَيِ السُّخطِ والرِّضى

فَليس لِقَلْبي في الهوى منْ تَقَلُّبِ

أأجنحُ من بَعْدِ الهُدى لِضَلالةٍ

وأطلب بعدَ الحقِّ أكْذبَ مَطْلَبِ

وَهَبْتُ دَمي عن طِيْبِ نَفسِيَ للهوى

وأهْدَيْتُ أجري للبَنانِ المُخضَّبِ

ذُنوبُ العُيونِ النُّجل مَغْفورةٌ لها

فما الذَّنْبُ إِلّا للفُؤادِ المَعذَّبِ

أيا رَحْمَةً إِلّا لِمَشْغوفِ حُبِّها

حَنانَيْك في صَبٍّ أُهَيل مغرّبِ

صَدوقٌ كأفَّاكٍ وفيٌّ كناكِثٍ

كَتْومٌ كَبوَّاحٍ بَرِيءٌ كَمُذْنِبِ

هَبيني ولَوْ إغفاءةً من كرىً عَسى

أرَى طَيْفَكِ السَّاري فَذلِكَ مُحْسِبي

خُذي بِيَدي تُنجي غَريقاً من الرَّدى

ولا تَكِلِيني للرَّجاءِ المُخَيَّبِ