ألا هل درت من أقصدت أسهم الهلك

أَلا هَل درت من أَقصَدَت أَسهمُ الهُلكِ

فأَصبح عقدُ المَجد منفصمَ السِّلكِ

وَهَل عَلِمت ماذا جنته يَدُ الرَدى

لَقَد فتكت ويلُ اِمِّها أَيَّما فتكِ

أَباحَت حِمىً ما راعه قطُّ حادِثٌ

وأَردت فتىً للأَخذ يُدعى وَللتَركِ

أَصمَّت برُزءٍ عمَّ فادحُه الوَرى

وَخُصَّ به بيتُ النبوَّة والمُلكِ

فأَيُّ فؤادٍ لا يَذوبُ من الأَسى

وأَيَّةُ عين لا تَفيض ولا تَبكي

أَصمَّت بزين العابدين نُعاته

فَكَم ثَمَّ من سمع بمعناه مستكِّ

سَرى نعيُه قبل اليَقين ولَم أَكن

لأَحسبُه إِلّا مَقالاً من الإِفكِ

عَلى أَنَّه أَقذى العيونَ وأَوشكت

صدورُ العُلى وَالمجد ترفضُّ من ضَنكِ

فَلَمّا تجلّى للقلوب يَقينُه

وَدُكَّت له شمُّ الذُرى أَيَّما دَكِّ

بَكى حَزَناً من كان لا يعرفُ البُكا

وأَنشد كلٌّ مقلتيه قِفا نبكِ

وأَمسَت بِقاعُ الفضل عاطلة السُرى

وأَضحت بحارُ المجد راكدةَ الفُلكِ

لَقَد كانَ شكّي فيه أَبردَ للحَشا

فَيا لَيتَني ما زلتُ منه عَلى شَكِّ

كَذا جِدُّ أَحداثِ اللَيالي وَصَرفِها

فَأَيُّ اِمرئٍ مدَّت إليهِ يَدَ الهلكِ

برغم العَوالي السمهريَّة والظُبى

أصيبَ ولم تطعن عليه ولَم تَنكِ

أَبا هاشِمٍ أَشرقتَ كوكب سُحرَةٍ

فَلا عَجَبٌ إِن غبتَ عنّا على وَشكِ

فقدتُك فقدَ الرَوض زَهرَ كمامه

وَرحتُ من الأَشجان أَبكي وأَستَبكي

لئن ظَلَّ صَبري عنك مُنفَصم العُرى

فَقَلبي من الأَحزان ليس بمُنفَكِّ

وإِن لَم أَكن أَبصرتُ شخصَك في الوَرى

فَما غابَ عنّي شَخصُ إِحسانك المَحكي

أعزّي أَباكَ البرَّ عنك وإِنَّني

وإِيّاه من وَجدٍ سهيمان في شِركِ

أَتَكتَحل الأَجفانُ بعدَك بالكرى

سلوّاً وتفترُّ الثغورُ من الضِحكِ

وَهَيهات ما في الأنس بعدك مطمَعٌ

وَلا لأسارى حزنِ يومكَ من فَكِّ

أَلوذُ بستر الصَبر عنك تجلُّداً

فَيأبى له عظمُ المصاب سِوى الهَتكِ

وإِن رُمتُ إِطفاءً لنار تلهُّفي

عليكَ غَدا حُزني لها أَبَداً يُذكي

ولَو رُدَّ عنك الحتفُ بالبأس لم يَقف

سِنانيَ عَن طعنٍ وَسيفيَ عَن بَتكِ

إِذاً خاضَ لُجَّ الموت دونكَ فتيةٌ

عَلى ضُمَّرٍ تَهوى الشَكائم بالعَلكِ

ولكن قضاءُ اللَه غَيرُ مُدافَعٍ

وأَحكامُه تَجري وَلَم تَخشَ من دَركِ

وَلِلَّه قَبرٌ ضمَّ جسمَك فاِنبرى

بطيب شذا ريّاكَ يهزأ بالمسكِ

فَكَم ضَمَّ من مَجدٍ وكم حازَ من عُلاً

وَكَم حاز من رُشدٍ وكم نال من نُسكِ

يعزُّ على أَرض الغريِّ وكربلا

وَطيبةَ ذات الطيب والحرم المكّي

بأَنَّك في أَرض سِواهنَّ مُلحَدٌ

وَلَو أَنَّه تَعلو السِماكين في السمكِ

فَلا برحت تَسقي ثراكَ مدامعٌ

تزيد على عِزِّ السَحائب في السَفكِ

أَبا ناصِرٍ لا يستفزنَّكَ الأَسى

عَلى حادِثٍ يُشكى إليه فَلا يُشكي

فإِنَّك طودٌ لا تَذلُّ لفادحٍ

وَهيهات طودُ المجد ليس بمنُدَكِّ

تأَسَّ بخير الخَلق آبائك الألى

بكت لرَزاياهم أَولو الدين والشِركِ

عَلى أنَّها لَم يُبقِ قبلك صَرفُها

عَلى سوقةٍ في العالمين ولا مَلْكِ

ولا تُبدِ للبأساءِ إِلّا تكرُّماً

وإِن بالغت في النَهر يَوماً وفي النَهكِ

وَكُن في صُروف الدَهر كالذهب الَّذي

يَزيدُ عياراً كلَّما زيد في السَبكِ

وَكَيفَ وأَنتَ النَدبُ لَو أَنَّ حاكياً

حكى عنك غير الصَبر كذَّبتُ ما يَحكي

أَفاضَ عليك اللَهُ درع وِقايةٍ

تقيكَ من الأَسواء موضونة الحَبكِ

ودم لا نأت للعزِّ عنك مآرِبٌ

ولا خرجت غرُّ العُلى لك عن مُلكِ