وافى إليك بكأس الراح يرتاح

وافى إليكَ بكأسِ الرّاحِ يَرتاحُ

كأَنَّه في ظَلام اللَّيل مصباحُ

ساقٍ لعشَّاقِه من جُنح طُرَّته

وضوءِ غرَّته لَيلٌ وإِصباحُ

لَم تَدرِ حين يُدير الراحَ مُبتَسِماً

من ثغره العَذب أَم من كأَسِه الراحُ

أَمسى النَدامى نَشاوى من لَواحِظه

كأَنَّ أَحداقَه للخَمر أَقداحُ

إِن راحَ يَرتاحُ من ماءِ الشَباب فَلي

قَلبٌ عليه بنارِ الوَجدِ يَلتاحُ

أَما تَرى عاشِقيه من هُيامِهمُ

غدوا عليه بوجدٍ مثل ما راحوا

طَووا على سِرِّ شكواهُ ضمائرَهم

وَلَو أَباحَ لهم شَكواهُ ما باحوا

أَمّا الصَبوحُ فقد لاحَت لوائحُهُ

رقَّ الظَلامُ وَجَيبُ الأفق مُنصاحُ

وَفاحَ عَرفُ الصبا عند الصَباح شذاً

كأَنَّهُ بأَريج المِسكِ نضَّاحُ

وَصاحَ بالقوم شادٍ هاجَه طَرَبٌ

وَبُلبل في فروع الدَوح صيّاحُ

فاِمسَح من النَوم جَفناً زانَه كحَلٌ

وحمّل الكفَّ كأَساً زانَه راحُ

وأَحي بالراح أَشباحاً معطَّلةً

فإنَّما هي للأَشباح أَرواحُ

أَما تَرى العودَ قد رَنَّت مثالِثُه

له بألسِنة الأوتار إِفصاحُ

تَشدو بِهِ قينةٌ غَرّاءُ آنسةٌ

كأَنَّ مِضرَبَها للأُنس مفتاحُ

يَرتاحُ في حِجرها من صَوتها طَرَباً

كأَنَّه غُصُنٌ في الرَوض مرتاحُ

وَالصبح قد لاحَ تَجلو اللَيلَ طلعتهُ

كأَنَّما اللَيلُ وَعدٌ وهو إِنجاحُ

وَساحَ يَملأ آفاقَ السَماءِ سَنىً

وغصَّ للأَرض من أَضوائِهِ ساحُ

وَالرَوضُ قد نَفحت رَيّا نوافحهِ

وَهبَّ منها على الأَرواح أَرواحُ

قم فاِسقنيها على ورد الخُدودِ فقد

زها وَفاحَ بها وَردٌ وتُفّاحُ

لا يُلهينَّك حزنٌ بانَ عن فَرحٍ

فإنَّما الدَهرُ أَفراح وأَتراحُ

سَقياً لعصرٍ مَضى بالسَفح من إِضم

إِذِ الزَمانُ بما أَهواه سَمّاحُ

وإِذ دواعي الهوى للَّهوِ داعيةٌ

وَالقَلبُ في راحَةٍ وَالعَيشُ رَحراحُ

وَالنَفسُ من غير شُغل الحبِّ فارغَةٌ

والأنسُ تُملأ من راحاتِه الراحُ

أَيّامَ لا مَشربي مرٌّ مذاقته

كلّا وَلا وردُه المَعسولُ ضَحضاحُ

لا تعجبنَّ لجَفني إِذ بكاهُ دماً

فإنَّه من قَليب القَلبِ يَمتاحُ