أخلى فصد عن الحميم وما اختلى

أخلَى فَصَدَّ عَنِ الحميمِ وما اِخْتَلَى

ورأى الحِمَامَ يغُصُّهُ فَتَوسَّلا

ما كانَ واديهِ بِأوَّلِ مَرتعٍ

ذَعَرَتْ طُلاوتُهُ طَلاهُ فَأجْفلا

وإذا الكريمُ رأى الخُمُولَ نَزِيلَهُ

في بَلدةٍ فالحَزْمُ أن يترحَّلا

كَالبدرِ لَمّا أَنْ تَضاءَلَ جَدَّ في

طَلَبِ الكَمالِ فَحازَهُ متَنقّلا

سفَهَاً لحلْمِكَ إِنْ رَضِيتَ بمشْرَبٍ

رَنِقٍ ورزقُ اللَّه قَد مَلأَ المَلا

ساهمتَ عِيسَك مُرَّ عيشكَ قاعداً

أَفَلا فَلَيْتَ بِهِنَّ ناصِيةَ الفَلا

فارِقْ تَرُقْ كالسَّيف سُلَّ فبان في

مَتْنَيْهِ ما أَخفى القرابُ وأَخملا

لا تَحْسَبَنَّ ذهابَ نفسكَ مِيتَةً

ما الموتُ إلّا أن تعيش مُذَلّلا

للقَفْر لا للفَقْر هبها إنَّما

مَغناك ما أَغناك أَن تَتَوسَّلا

لا تَرْضَ مِن دُنْياكَ ما أَدناكَ مِن

دَنَسٍ وَكُن طَيْفاً جَلا ثُمَّ اِنجَلا

وصِلِ الهجيرَ بهجرِ قومٍ كُلَّما

أَمطَرتَهم عَسلاً جَنَوْا لك حَنْظَلا

من غادِرٍ خبُثَتْ مَغَارِسُ وُدِّهِ

فإذا مَحَضْتَ له الودادَ تأَوَّلا

أو حِلْفِ دهرٍ كيف مالَ بِوجهِهِ

أَمْسَى كذلك مُدْبِراً أو مُقْبِلا

للّهِ عِلْمِي بالزَّمان وأهْلِهِ

ذَنْبُ الفضيلةِ عندَهُم أَنْ تكملا

طُبِعُوا على لُؤْم الطِّباع فخَيْرُهُم

إنْ قلتُ قال وإنْ سكَتُّ تَقَوَّلا

أنا مَن إذا ما الدَّهْرُ هَمَّ بخَفْضِهِ

سامَتهُ هِمَّتُهُ السِّماكَ الأَعْزَلا

واعٍ خطابَ الخَطْبِ وهو مجمجمٌ

راعٍ أَكلَّ العيسَ من عَدَم الكلا

لا أَسْتَكينُ لحادثٍ فإذا طَغَى

غامرتُ فيه مُشَمِّراً إنْ ذَبَّلا

زَعمٌ كمُنْبَلج الصَّباح وراءَهُ

عَزْمٌ كَحَدِّ السَّيْف صادف مَقْتَلا

مُتَنَطّسٌ ركضَ الأُمُور أوابِيا

شُمساً فَرَاضَ صعابَهُنَّ وذلَّلا

سل بي فكم بؤسٍ أغرّ مُحَلَّجٍ

أقبلتُه يأساً أَغَرَّ مُحَجَّلا

وَإِذا أَطالَ لدى ابن محمودٍ يدي

صاحبتُ أَيْمانَ النَّدَى مُتَطَوِّلا

مَلِكٌ كَفَتني كَفُّهُ أَنْ أَجْتَدِي

وأَجَلَّني فأبيتُ أن أَتَبَدَّلا

يَمَّمْتُ جانبَهُ جَنيبَ خَصاصةٍ

فرحلتُ مَرْعِيَّ الجناب مُخَوَّلا

فَقْرٌ تَبَسَّمَ عن غِنىً ومُؤَمّلٍ

صَدَقَتْ فَرَاسَتُهُ فَآبَ مُمَوَّلا

يا بَرقُ هَل لَكَ في اِحتِمالِ تَحِيَّةٍ

عَذُبَتْ فكانتْ مثلَ مائكَ سَلْسَلا

باكِرْ دمشقَ بمشقِ أقلامِ الحَيا

زُبُرَ الرِّياض مُرْصَّعاً ومكلَّلا

وَاجْرُرْ بجَيْرُونَ ذُيولكَ وَاِختَصِصْ

مغَنىً تأزَّرَ بالعُلَى وتَسَرْبَلا

قِفْ مِن بَني شَيْبَانَ حينَ تَقبَّلَتْ

نجوَى المُنَى وتقابلتْ شُهُبُ العُلَى

حيث النَّدَى الربعيُّ محلولُ الحُبَى

والوابِلُ الرَّبعيُّ مَفْرِيُّ الكُلَى

عَرِّضْ لِذِي المَجْدَيِن بي وأَبِنْ لَهُ

جُمَلاً أَبَت لي أَنْ أُرَى مُتَجَمّلا

فَهُناكَ تلقى العَيشَ أخضَرَ ناضراً

والعزّ أقعسَ والحباءَ مُكَمَّلا

في ظلِّ أَرْوَعَ ما تبسَّمَ ضاحكاً

لعُفَاتِهِ إلّا غَدَوْتَ مُبَجَّلا

كَالغَيثِ غَوثاً والحِمامِ حَميّةً

وَالبَحرِ بَحراً والهلالِ تَهَلّلا

مَولايَ عبدُكَ ما أقام لأن رَجا

مَولىً سِواكَ ولا تَجلَّدَ أنْ سَلا

أدعوكَ دعوةَ واحدٍ لا واجِدٍ

بدلاً إذا الكَلِفُ المَشُوقُ تبدَّلا

قد كان جَدّي مُقْبلاً لو أَنَّني

مُذْ غبتُ عنك وجدتُ وجهاً مُقْبِلا

خَوَّلتني وعمَّمتني وعشيرتي

قُلٌّ فَصرتُ بك المعمَّ المُخْوِلا

وغَدَوْتَ أحفَى بي وأرأفَ مِن أبي

وأَبَرَّ من أَخي الشقيق وأَوْصَلا

أَشكو نَواكَ إِلى سِواكَ وَأَنثني

مِن حَملِ صَدّك بَعدَ فقْدِكَ مُثْقلا

أَنا غَرسُ أَنْعُمِكَ الّذي غذَّيْتَهُ

خَطَراتِ عَطفِكَ فَارتَوى وتَهَلَّلا

أصبحتُ تلفِظُني البلادُ كأنَّني

لفظُ البليدِ أَكنَّ لفظاً مُشْكِلا

وأشدُّ ما أشكوه أنّك مُعْرِضٌ

وا ضَيْعَتي إنْ كان ذلك عن قِلَى

نبئي تبلَّج فجرُهُ عن أَبلجٍ

خُتلتْ به ثوبُ الزّمان ليختِلا

قالوا الخِضَمُّ أتى بأَنْفَسِ دُرَّةٍ

قدراً فقلتُ بل الغَضَنْفَرُ أَشبَلا

صَدقَ القَريضُ وما جرى فَألٌ بِهِ

هَذا نَصيرُ المُلْكِ فَلتَطُلِ الطُّلَى

هَذا الَّذي يَغشى السَّوابقَ في غدٍ

كَأَبيهِ وَهو اليومَ أَكرمُ مَنْ تَلا

عُرِفَتْ سِماتُ سَمِيِّهِ في وجههِ

رأياً شِهابيّاً وَعَزْماً قَلْقَلا

يا كافلي بنَدَى أبيه أَبْقِهِ

حتّى تَكونَ بِوارثي مُتَكفِّلا

ومُنيلَ محمودٍ به أقضي المنى

بلِّغْهُ في مَحمودِهِ ما أَمَّلا

وأَدِمْ على الأيّام مجدَ مُؤمّلي

حتّى تَراهُ مُفَرِّعَاً ما أَصَّلا

لا زلتَ تُزْجي كلَّ يومٍ عارضاً

وتسُلّ أَبيض في النوائبِ مِفْصَلا

يدعو إليّ وما يهشُّ إلى أبٍ

ويزلُّ عن أيدي القوابلِ مُقْبلا

مهديُّ دولته نتيجةُ مهدِهِ

وفِصَالُهُ في أنْ يُشيرَ فَيفصِلا

يسمو إلى جدبِ العيانِ وما جنى

ويقولُ أوَّلَ ما يقول فيفعلا

ضَمِنَتْ لَهُ أَجدادُهُ وَجدودُهُ

عَدَمَ النظيرِ فَجاءَ أَوحَدَ أَكمَلا

كَالسَّيْفِ جَوهَرُهُ وَعُنصُر ذاتِهِ

صفواً فأغْنَتْهُ الصِّفاتُ عن الكُلَى

إن كول شَأوك فَهوَ كملُ سَوابِقٍ

ما زال آخِرُهُم يقوّي الأوَّلا

نَسَبٌ كَما اِتّسقَتْ أنابيبُ القَنَا

كسبَ العلاءَ صغيرُهَا لمّا عَلا

وا رَحتمي لِلحاسِدينَ فَإِنَّهم

قَرَعُوا إلى الآمال باباً مُقْفَلا

اللَّهُ أَحْوَطُ للعُلَى من أنْ يرى

ساحاً معطَّلَةً وسَرْجاً مُهْمَلا

يا مُوطِئي عُنُقَ الزَّمانِ وقد لقي

عنّي فصرتُ من المتونِ كلاكلا

ومُسَرْبلي من وفرِهِ وولائِهِ

بُرداً بتيجانِ النُّجومِ مُذَيَّلا

أَصْفَيْتَني فَحَبَاكَ صفْوُ خواطري

مدحاً تخالُ من الجلال تَغَزُّلا

وكَذاكَ أصبح فيك شِعري كلُّه

قَوْلاً وأصبح في سواك تَقَوُّلا

أفدي عُلاك منادياً ومناجياً

وأَقي حِماكَ مُخاطِباً وَمُراسِلا