دعوا شبحي في الحب يخفى ويظهر

دَعُوا شَبَحي في الحبِّ يَخفى ويَظهرُ

ولا تعذلوني والصّبابةُ تَعْذرُ

فإنّ الذي حملتموهُ ملامَكم

فتىً ظهرُهُ من حادثِ الدهرِ موقرُ

تلومونَ فيكُم كلَّ شَيءٍ صنعتُم

سوى اللؤمِ فيكُم يُستفادُ ويُشكرُ

فإنْ تَنزِفوا ماءَ الجفونِ فإنّما

لكَمْ كنتُ أستَسقي الدموعَ وأذْخَرُ

سَقى اللهُ أرضاً لا أبوحُ بذِكْرِها

فتُعْرَفُ أشجاني بها حينَ تُذكرُ

سِوى أنّها مسكيةُ التربِ ريحُها

تَروقُ وتَنْدَى والهَواجِرُ تَزْفُرُ

نَعِمْتُ بِها يجْلو عليّ كؤوسَه

أغَرُّ الثّنايا واضحُ الجيدِ أحْوَرُ

فوَاللهِ ما أدري أكانتْ مُدامَةً

من الكرمِ تُجْنى أم منَ الشّمسِ تُعصرُ

إذا صَبّها جنحُ الظّلامِ وعبَّها

رأيتَ رداءَ الليلِ يُطْوى ويُنشَرُ

أصاحِ تأمَّل هل تَرى اليومَ ما أرَى

تَرى فتنةً نيرانُها تُتَسَعَّرُ

فلا تصحبِ الصّمْصامَ إنْ كنتَ صاحبي

نهيتُكَ عن خُلْقي وأنتَ مُخيَّرُ

ستعلمُ إنْ جرّبْتَني في ضَريبةٍ

وجربتَهُ أيُّ الحُسامَيْنِ أنصَرُ

وإنّ الذي يُعطيكَ عقلكَ أبكَراً

وعامِلُه من نَحْرِ مولاكَ أحْمَرُ

يَسومُكَ أمراً يلمعُ الضيمُ خلفَهُ

فهلْ أنتَ بالضيمِ المحاولِ تَشْعُرُ

غَدا كلُّ قومٍ يَجبُرونَ كسيرَهم

وعثرةُ جاري كسرُها ليس يُجْبَرُ

يَبيتُ مبيتَ المطمئنِ سَوامُهُ

وباتَ سَوامي بالأسنّةِ تَذعرُ

فلو بعبيدِ اللهِ لبستُ أحبُلي

أمرَّ قُواها المشرفيُّ المُذَكَّرُ

ولو عندَهُ قاضيتُ من أنا خصمُه

قضى لي قاضٍ حكمُه لا يُغَيَّرُ

ولكنّما سامرتُ أحلامَ باطلٍ

وجاورْتُ وسْناناً يَنامُ وأسهَرُ

تفكَّر لمّا جئتُ مستصرخاً بهِ

ولا يَصْرُخُ المَحْروبُ مَنْ يتفكّرُ

رأى المجدَ بين الجحفَلين غنيمةً

يكون لمن يَغشى الطِّعانَ ويَصبِرُ

فلم يَركَبِ التغريرَ في طلبِ العُلا

تسربلُ ثوبَ الذُّلِ من لا يُغَرّرُ

لَحا اللهُ ملانَ الفؤادِ من المُنى

إذا أمكنته فُرصةٌ لا يُشَمِّرُ

يُلاحظُها حتى يفوتَ طلابُها

ويُصْبِحُ في إدبارِها يتَدَبَّرُ

دعوتُكم للخيلِ وهي تَلُفُّني

فكنتم إماءً للقَوافلِ تَزجُرُ

ومن حَذرِ البلْوى فررتُ إليكُم

فلاقيتُ منكم فوقَ ما كنتُ أحذَرُ

ولم أدرِ أنّ الضّيمَ يومَ أتيتكم

تخيرتُه في بعض ما أتَخَيَّرُ

وقلتُ لكم رُدّوا وسيقةَ جارِكُم

فلم تَقدِروا أنتم على اللؤمِ أقدَرُ

فهبْكم زَهِدْتُم في الجَميلِ لعينِه

ألم تَعْمَلوا أنّ الأحاديثَ تؤثَرُ

سيحفظُ ما ضيعتُم متيقظٌ

يضيءُ إذا اسودّ الزمانُ ويُسفِرُ

إذا خوّفوهُ الذّلَّ لاحظَ سيفَه

وكيفَ يَغيبُ العِزُّ والسيفُ يَحضُرُ

وكنتم تُسِرونَ الضّغائِنَ دونَهُ

فقد جَعلت تلكَ الضّغائنُ تَظْهَرُ

أردتم بِها العُظمى فنالَتْ رؤوسَكم

ومن تحتِه كان المُبَخْتِرُ يَحفِرُ

وما غرّكُم من صادقِ الشدّ باسلٌ

يظَلّ إلى أعدائِهِ يتبخترُ

ضَعوا حَلَقَ الماذيِّ فوقَ قلوبِكم

فإنّ عيونَ السّمهريّةِ تَنْظُرُ

ولا تأمَنوا ثَغرَ الهُمامِ فإنّهُ

يُقَهقِهُ في أبصارِكُم وهو يَزأَرُ

فَيا حاكمَ الحكّامِ أنتَ بسطتَهُم

بحلمكَ حتى كاشَفوكَ وأصحَروا

أتوكَ يهزّونَ الصوارمَ والقَنا

وعادُوا تشَظّى فيهُمُ وتكسَّرُ

فقدْ بقيتْ للسّمهريّةِ فيهِمُ

كُلومٌ بمثلِ السمهريةِ تُسْبَرُ

أقِلهُم سَفاهَ الرّأي واغْفرْ ذنوبَهم

فرَبُّ الأيادي مَنْ يُقيلُ ويغفِرُ

وسخطُكُم للمذنبينَ منيةٌ

وعفوكم منها يُجيرُ ويَخفرُ

أرى شجراً قد أورقَ الوعدُ عودَه

وأنتَ له إنْ سَلّمَ اللهُ مُثْمِرُ

وغيرُكَ كدَّ الظنَّ والأمرُ مُقبلٌ

وعلّلَ بالتشْريفِ والأمرُ مدبرُ

ولكنّني لا أظلِمُ المجدَ حقَّهُ

مَحلُّكَ أعلى في الخُطوبِ وأكبرُ

أحلكَ أطرافَ الذّرى وأحلَّهم

بُطونَ الثّرى واللهُ بالناسِ أبصَرُ

وما بَرحَتْ من راحتَيْكَ غَمامةٌ

تُطبِّقُ أرضي نَبْتُها الدهرَ أخْضَرُ

وتاللهِ لا أنْسى يداً لكَ إنّما

يضِلُّ ويَنْسى الشيءَ من يتذكّرُ

يداً كيفَما أومأتُ نلتُ نوالَها

وفيها غِنىً للمستنيلِ ومَفخَرُ

جلوتَ القَذى حتى تأمّلَ ناظري

وما كنتُ من فرطِ المذلةِ أبصُرُ

وأنتَ حسَمتَ الداءَ عني وزَفرَتي

تُفرّقُ نفسي والعوائدُ حُضَّرُ

عشيةَ عزّاني الطبيبُ وقالَ لي

دَواؤكَ معدومٌ وجُرحُكَ أغبَرُ

فبَلّغ أميرَ المؤمنينَ رسالةً

وكل مؤدٍ ما سواكَ مقصرُ

أتُقْطِعُ داري خارجياً لسانُه

لكم وعليكُم قلبُهُ حينَ يُدبِرُ

وكيفَ ولم نذنبْ تُصانُ عَصاهُمُ

وتُبْرَى بأيديكُم عَصانا وتُقْشَرُ

فَلا تتركنها شُبْهَةً لمبائعٍ

يخونُ بِها عندَ الخَصامِ ويَغْدُرُ

وإنْ يكُ إنصافي تعَذّرَ عندكم

فإنّ ورودَ الموتِ لا يَتَعذّرُ

ألا صارمٌ قد هذّبَ القينُ نَصلَه

ألا صَعْدَةٌ فيها سِنانُ مؤمَّرُ