جلست ببستان الجليس وداره

جَلَسْتُ بِبُسْتان الجليسِ ودَارهِ

فَهَيَّج لي مِمَّا تناسَيْتُه ذِكْرَا

وَسُقِّيتُ كَأْسَ النَّجْمِ سَاعَةَ ذِكْرِه

فَلَمْ يَسْتَطعْ في ليْلِ هَمِّيَ مِنْ مَسْرى

فيا ساقِي الكأَسِ التي قَدْ شَرِبتها

رويدَك إِنَّ القلب في أُمَّةٍ أُخْرَى

ويا أُفْقُ لو كانَ الحبيبُ مُضَاجِعِي

لما سأَلَتْكَ النفسُ أَنْ تُطْلِع البَدْرَا

ولو وُصِلَتْ سُودُ الليالي بِشَعره

لما خَشِيتْ مِنْ غَير غرَّته فَجْرا

تذكَّرتُ وَرْداً للحَبِيبِ محجَّباً

يَمُدُّ عليه ظلُّ أَهْدَابِه سِتْرا

فصرت أُجَارِي القَلْب مِن أَجْلِ ذِكْرِه

فيقتلني ذِكْراً وأَقتله صَبْرا

أَقبِّل ذاك الطَّلَّ أَحْسَبُه اللَمى

وأَلثُم ذَاكَ الزَّهر أَحْسَبُه الثغرا

وكم لاَئِمٍ لي في الَّذي قَدْ فَعَلْتُه

وكم قائلٍ دَعْه لعلَّ لَهُ عُذْرا

لأَجلِكَ يا من أَوْحشَ العينَ شَخْصُه

أَنِسْتُ بدمعٍ يَمْنَعُ العينَ أَن تَكْرَى

وقاسيت مِنْكَ الغدرَ والهَجْرَ والقِلى

وأَنفقْتُ منك الشعر والعمر والدهرا

وأفلس طرفي حين أنفق دمعه

فأجرى فَمِي دَمْعاً يُسَمُّونَه شِعْرا

وفارقْتُ عزّاً بالشآم لأَلتَقي

بِمِصْرَ الَّذي من حُسْنِهِ فَضَّلوا مِصْرَا

لئن طِبْتُ في مُسْتَنْزَهٍ لم تَكُنْ بِهِ

فلا زلتُ أَلْقى عِنْدَكَ الصَّدَّ والهَجْرَا

فلو كنت في عَدْنٍ وأَنْتَ بِغَيرِها

وحُوشِيتُ آثرتُ الخروجَ إِلى بَرَّا

ولو كنتُ في بُصْرى وَحَسْبُك لم أَقُلْ

أَيا بَصَري لا تنظرنَّ إِلى بُصْرَى