عمموها طينو آدم طين

عمَّمُوها طِينو آدَمُ طِيْنُ

شيخةٌ في حَشا الزَمان جَنِينُ

قبل أَن تُغْرَس الكرومُ وتَلْتَـ

ـفُّ عليها الأَوراقُ والزَّرجُون

قبل أَن يُخْلقَ الظلامُ ولا النو

رُ ولم يُعْرفَ الدُّجى والدُّجوُن

وثُرَيَّا السماءِ ما هي عُنْقُـ

ـدٌ ولا آيةُ الدُّجى عرْجُونُ

شَيْخَةٌ لم تَشِبْ قروناً إِلى أَن

هلكتْ أُمَّةٌ وبَادتْ قُرُونُ

فهي سِرٌّ في خاطِر الدَّهر مكتو

مٌ وعِلْمٌ في صدرِهِ مَكْنُون

تبصِر الهمِّ في الأَقاصِي فتنْفِي

هِ ولا غرْو فالحَبَابُ عُيُون

كُلُّ هَمٍّ إِذا جَلوْها عليه

وهي بِكرٌ فإِنَّه عِنِّين

إِنَّ مَنْ لام في المُدامِ وإِن عزَّ

مَهِينٌ ولا يَكادُ يَبِينُ

إِنْ هِي إِلاَّ الحياةُ والرُّوحُ والرَّا

حَةُ واللَّهْوُ والصِّبا والمجونُ

ليس فيها إِذا رَجَعْنا إِلى الحقِّ

عُدُولٌ ولا عَليها أَمِينُ

والذي قد يَلُومُ إِمَّا ضنِينٌ

مُسْتبِدٌّ بها وإِمَّا ظنِينُ

مَنْ رَأَى كَأْسَها فقد فَتَنَتْـ

ـهُ إِنَّكُمْ كُلُّكُم بها المفْتُونُ

لم يَدع شُرْبَها الأَمينُ وإِن كا

نَ إِمَام الهُدَى ولا المأْمُونُ

وبها كَانَ يستعينُ على الأَحْـ

ـزان من بعد خَلْعِه المُستَعِينُ

فانهَضُوا واقْصِدُوا قَصْدَ دَارِيـ

ـنَ جميعاً فدارُها دَارِينُ

واشْتَرُوهَا بكل ما عزَّ أَو هَا

نَ فإِنَّ العزيزَ فيهَا يَهُونُ

واطْلِقُوها إِن الزمانَ حَبُوسٌ

واخْرجُوها إِنَّ الدِّنَان سُجُون

إِنَّما الدَّنُّ سِجْنُها فِلهَذا

ضَحِكَتْ إِذْ رَأَتْه وهُوَ ظَعِينُ

إِن فَقْرِي على المُدامِ ثَرَاءٌ

أَو يَسَارِي والكأْسُ فِيهَا يَمِينُ

تلك نِعْمَ المُعِينُ إِن قَارَن الهمُّ

فؤادِي والهمُّ بْئْسَ القَرِينُ

وإِذا ما رَجَّتْ لياليَّ أَحْوَا

لي جَلاَها مِنْه صَباحٌ مَبينُ

فبها أَستريحُ من حِرْفةِ العَقْـ

ـلِ فإِن الحِرافَ مِنْه يَكُونُ

واتْرُكِ العقلَ جانِباً تُدْرِكْ الحظَّ

يقيناً ما الحظُّ إِلاَّ الجُنُونُ

كُلُّ مَنْ أَبصرتْه عَيْنَاكَ في الخَلْـ

ـقِ سعيداً فإِنَّه مَجْنُونُ