لست الملوم بما تجني علي بصري

لستَ الملومَ بما تَجْني علَي بَصَري

أَدميتَ بالدَّمع من أَدماكَ بِالنَّظَرِ

دعْ منهُ قبلَ بلوغِ البينِ غَايَتَه

إِمَّا طريقَ البُكا أَو منزلَ السَّهَر

واتْرك لِيَ العينَ إِنَّ جَدّ الرَّحيلُ بكُم

فالعَيْنُ تَقْنَع بَعْدَ الْعَينِ بِالأَثَرِ

قَلْبي وعَقْلي وطيبُ العيشِ بَعْدهُما

ثلاثةٌ بِكَ قد أَضْحَوْا عَلى سَفرِ

أَجْفَانُ عَيْنَيَّ مَا خِيطتْ عَلى سنةٍ

هذا وقَدْ غَدت الأَهدابُ كَالإِبَر

أَخذتُ شَيْئَين من شَيئَيْن مُقْتَسِماً

فالثَّغْر لِلصُّبحِ والأَنْفَاسُ للسَّحَر

إِذا ذكرتُ ثَنايَا من كلفت به

نعمت بالذكر بين الطيب والحفر

كم كدت ألثم ذاك الثغر من عطش

لولا فوارس طاعنون في الثغر

حفت به مَنْ عَوالِيهم أَسنُتَّها

كأَنَّها الشُّهبُ إِذْ يَحْفُفْنَ بِالقَمر

مَدُّوا سُرادقَ ليلٍ مِن عَجَاجَتِهمْ

فصرتَ تَقْصِدُهُمْ للسُّمْر كالسَّمَر

يحمون منكسِرَ الأَجْفانِ هِمْتُ بِه

ولا أَهِيمُ بِجَفْنٍ غيرِ مُنْكَسِر

حالى الجفونِ بِحَليٍ لاَ شَبيهَ لهُ

وهَلْ سَمِعْتُم بِحَليٍ صِيغَ مِنْ حَورِ

أَلْقَى حَبائِلَ صيدٍ مِنْ ذَوَائِبِه

فصادَ قَلْبي بِأَشْراكٍ مِنَ الشَّعَرِ

وشبتُ مِنْه وإِنَّ الشَّيبَ أَكْثَره

يَبْدو مِن الْهَمِّ لا يَبْدو مِنَ الكِبَر

ثُم التفتُّ إلى عَيْشِي فَقُلْتُ لَهُ

يا آخِرَ الصَّفْوِ هَذَا أَوَّلُ الكَدَرِ

لم أَدْر أَنِّيَ والآمَالُ كَاذِبَةٌ

في أَوَّلِ العُمر أَلْقَى أَرْذَلَ العُمرِ

تملَّكَ الشَّيبُ فَوْدي والفؤادَ معاً

كَمِلْك عزْمَةِ سَيْفِ الدِّين للظَّفَرِ

وحَدُّ عَزْمَةِ سيف الدِّين إِنَّ لها

وجْهاً يؤنِّث حَدَّ الصَّارِم الذكرِ

مَلِكٌ وما الحَقُّ إِلاَّ أَنَّه مَلَكٌ

فَقَدْ عَلاَ بمَعَالِيه عَنِ الْبَشَرِ

ومَا مَعالِي أَبي بَكْرٍ بِحَاكِيَة

إِلاَّ مَنَاقِبَ في عَمْرو وَفي عُمَرِ

هو المُمَدَّحُ في قيسٍ وفي يَمَنٍ

وهو المُعَظَّمُ في تُرك وفي خَزَرِ

ملكُ الملوكِ ومَوْلاَها الَّذي شَفَعت

جَلالَةُ القدْر فيه طَاعَةَ القَدَرِ

إِنْ رَامَ أَمْراً عظِيماً سَاقَه قدرٌ

إِلَيْه أَو جَاءَهُ يَسْعى عَلى قَدَرِ

مكمَّلٌ وسِولهُ نَاقِصٌ أَبَدا

كَأَنَّه إِن قَدْ جَاءَتْ بِلاَ خَبَرِ

تكلَّفُوا وأَتَتْ طَبْعاً مَواهِبُه

وفي البَدَاوَةِ حُسْنٌ لَيْسَ في الْحَضَرِ

يَلْقَى السُّراةَ إِلَى نَادِيه مُبْتَدِراً

بالبدرِ مِنْه ويَلْقَى الوفْدَ بِالبِدَرِ

يا مُجدِبَ الْحَالِ زُرْ نَادِيه مُعْتَفِياً

واسْأَلْ نَدَاهُ ولاَ تَسْأَلْ عَنِ المَطَرِ

ويا أَعَادِيه لاَ يَغْرُرْكُمُ مَهَلٌ

مِنه فإِنَّكُمُ مِنْه عَلَى غرَر

أَلم تَدَعْكُمْ عَلَى رَغْمٍ بَواتِرُهُ

وَكُلُّ دِرْعٍ عَلَيْكُمْ قُدَّ مِنْ دُبُرِ

وسرَّه أَنْ فَرَرْتُم مِنْ أَسِنَّتِه

والطَّعْنُ في الظَّهْرِ لاَ في البَطْنِ كالسُّرَرِ

ذاكَ الَّذِي عادَ مِنْه الكُفْرُ مُنْغَمِراً

كأَنَّه الْقَلْبُ بَيْن الهَمِّ والْفِكَرِ

غَزَا وَطَالتْ مَغَازِيه وقَد غُزيتْ

نِصَالهُ حِينَ طَالَ الْغَزْوُ بِالْقِصرِ

ودَّ العِدَى أَنْ يكُونُوا مِنْ رَعِيَّتِه

فَلْيأْخُذوا الأَمِنَ تَعويضاً مِن الْحَذَرِ

فما لَه غَيْرُ ظَهرِ السَّرْجِ مِنْ وَطَنٍ

ومَا لَه غَيرُ نهْبِ السَّرْج مِنْ وَطر

كالغيثِ في السِّلمِ أَو كاللَّيث يَوْمَ وَغىً

والرمح كالنَّاب والصَّمصَامُ كالظُّفر

يرمي الشجاع وإن أضحى وبينهما

نقع يفرق بين الشخص والبصر

ويَعشقُ الوِردَ والأَبْطالُ صادِرَةٌ

والموتُ في الوِرْدِ والمَنْجاةُ في الصَّدَرِ

تقلَّد الدينُ سيفاً مِنه مَا بَرِحَتْ

سيوفُه البيضُ حُمْراً مِنْ دَمٍ هَدِر

إِذا تبرَّجْن مِن أَغمادِهِنَّ بَدا

بِهِنَّ للدَّمِ آثارٌ مِنَ الْخَفَرِ

لله مَوْقِفُ حَرْبٍ كُنْتَ قَائِمَه

وقائِمٌ النَّصر فيه غَيْرُ مُنْتظر

هَمَى النَّجيعُ فأَبْقَى الجُرْدَ عَاطِلةً

بِرَغْمِها مِنْ حُلى التَّجميلِ والغُررِ

هزمت فيها جموعَ الشِّرْكِ فانْفَطَروا

إِنَّ الزُّجَاجَةَ لا تَقْوى عَلَى الحَجَر

نأَتْ جموعُك حَمْلاً عن صُفوفِهمُ

مِثلُ الْبَراجِمِ إِذْ يَبْرزْن في الطُّرَرِ

يا مَنْ قضاياهُ في الأَيَّام عادلةٌ

أَفْنَيْتَ بالعَدْلِ أَهْل الشِّركِ والأَشَرِ

كلُّ المدائِحِ إِلا فيكَ بَاطِلَةٌ

إِنَّ البلاغَةَ في الأَحْبَابِ كَالحَصَر

بقيتَ حتى تقولَ النَّاسُ قاطبةً

هَذا أَبُو إِلياسِ أَو هذا أَخُو الخِضَرِ