أدار البلى أما عمرت بمعشري

أَدارَ البَلى أَما عَمَرتِ بِمَعشَري

فَأَنتِ الَّذي تُدعَينَ قَفراً وَبَلقَعا

عَلى كَثرَةِ الأَهلَينَ أَو حَشتِ زائِراً

وَأَلهَبتِ أَكباداً وَأَجرَيتِ مَدمَعا

إِليكِ مَآبُ الكُلِّ مِنهُم مُلَبِّثٌ

قَليلاً وَمِنهُم مَن تَوَلّى وَوَدَّعا

أَلا لَيتَ شِعري كَيفَ مَسَّ الثَوى بِها

فَإِنّي أَرى فيها مِهاداً وَمَضجَعا

مَضاجِعُ لَيسَ لَيستَ النَومُ فيها بِلِذَّةٍ

وَلا النَومُ فيها أَن تَهُبَّ وَتَهجَعا

إِلى الحَشرِ وَاِسمُ الحَشرِ وَفقٌ لِشَكلِهِ

جِماعُ أُمورِ ما أَهَمَّ وَأَشنَعا

مَقامٌ يَعُمُّ الإِنسَ وَالجِنَّ هَولُهُ

وَيُحشَرُ فيهِ الوَحشُ شِرباً مُفَزَّعا

تُبَدَّلُ فيهِ أَرضُهُ غَيرَ أَرضِنا

وَتَطوي السَمَواتُ العُلى طَيَّةً مَعا

فَيالَكَ يَوماً قَلَّ سَعيُ الوَرى لَهُ

وَما فيهِ لِلإِنسانِ إِلّا الَّذي سَعى

تَغَرُّ بِدُنيا لَيسَ تَترُكُ مَنزِلاً

أَنيساً وَلا شَملاً لِقَومٍ مُجَمَّعا

رَماني الرُدى قَصداً فَأَقصَدُ مُهجَتي

وَأَخطَأَ جُثماني فَأَخفى وَأَوجَعا

أُصِبتُ بِأَصلٍ كُنتُ فَرعاً لِفَرعِهِ

وَشَأنُ الرَدى أَن يَهصِرَ العودَ أَجمَعا

فَنَفسي الَّتي أَبكي وَإِن كُنتُ باكِياً

عَلَيها فَدَمعي قَد تَقَسَّمَ أَدمُعا

دَعَتها المَنايا فَاِستَجابَت دُعاءَها

سَريعاً وَداعي المَوتِ أَسرَعُ مَن دَعا

فَخَلَّت عَلَيَّ الأَرضُ حَتّى كَأَنَّما

حَرامٌ عَلى الأَجفانِ أَن تَتَطَلَّعا

وَحَتمٌ عَليها أَن تَصوبَ فَما هَمَت

عَلى مُمحِلٍ إِلّا أَصبَحَ مُهرَعا

بَكى بَعدَها المِرابُ شَوقاً لِقُربِها

وَرَوَّضَ مِنها التُربُ خِصباً فَأَينَعا

وَصَلّى عَلَيها بِالَّذي هِيَ أَهلُهُ

فَإِنَّ ثَنائي طابَ قيلاً وَمَسمَعا

وَما المَدحُ وَالتَأبينُ مِمّا يَرُدُّها

وَلَكِنَّهُ قَد صارَ مَبكىً وَمَجزَعا

عَلَيكَ سَلامٌ تَلاقي بَينَنا

سَلامُ اِمرِئٍ أَمسى بِفَقدِكَ موجَعا