قد غادر الشعراء من يتردم

قَد غادَرَ الشُّعَراء مَن يَتَرَدَّمُ

إِن كانَ يُسمَعُ ما أَقولُ وَيُفهَمُ

لي كُلُّ يَوم آيَةٌ مَشهورَة

فيهِ إِذا نُثِرَت عَلَيهِ الأَنجُمُ

وَكواكِبٌ قَد بانَ كَيفَ تَنالُها

الأيدي وَلَكِن أَينَ مَن يَتَعَلَّمُ

فَنَدى فَحَسبُكَ إِنَّ مِثلي شاكِرٌ

وَغِنىً فَحَسبي إِنَّ مِثلَكَ مُنعِمُ

لا تَحفَلَنَّ إِذا بَقيتَ بِناطِقٍ

غَيري فَلَيسَ مَعَ الفُراتِ تَيَمُّمُ

وَدَعِ الكَلام لِمن يَسيرُ ثَناؤُهُ

وَالرِّيحُ حَسرى وَالكَواكِبُ نُوَّمُ

قَد كانَ قَبلَكَ واهِبونَ وَفاتَهُم

مَدحي وَماتوا وَالمَواهِبَ مَعهُمُ

لَم يَبقَ بَعدَهُمُ حَديث سائِرٌ

فيها ولا حادٍ بِها يَتَرَنَّمُ

لا يَدَّعي الفُصَحاء فيكَ عَريبَةً

وَالبيضُ تَنثُرُ والأَسِنَّةُ تَنظُمُ

إِن أَحسَنوا عَنكَ الثَّناء فَإِنَّها

نَطَقَت بِمَدحِكَ قَبلَ أَن يَتَكَلَّموا

تَجري جِيادُكَ في البِلادِ وَمالَها

شأوٌ يُرامُ وَلا مَدى يُتَوَهَّمُ

وَيَرُدُّ جَدُّكَ كُلَّ خَطبٍ نازِلٍ

حَتّى يَحِلَّ بِهِ القَضاءُ المُبرَمُ

عَجَباً لِوَجهِكَ كَيفَ بارِقُ بِشرِهِ

تَهمى سَحائِبُهُ وَلا يَتَغَيَّمُ

وَلِحاسِديكَ وَهَل تَأخَّرَ مِنهُمُ

مَن كانَ يُمكِنُ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ

ما تَنزِلُ الأَفلاكَ غَيرُ نُجومِها

أَبَداً وَلا الغيل إِلّا الضَّيغَمُ

وَمُعَرِّضينَ نُحورَهُم لِذَوابِلٍ

ما زالَ يُمطِرُ مِن أَسِنَّتها الدَّمُ

حارَبتَهُم فَتَنَصَّروا وَلَو انَّهُم

نَظَروا الصَّوابَ لَسالموكَ وَأَسلَموا

دَعهُم وَرَأيَهُمُ فَقَد أَعطوا بِهِ

ما لَيسَ تَطلُبُهُ سُيوفُكَ مِنهُمُ

يَمضي صَليبُ الأرمَنيِّ عَليهمُ

وَأَبوكَ ذَلَّ لَهُ الصَّليبُ الأعظَمُ

ما يَصنَعُ الحَسَبُ الكَريمُ بِعاجِزٍ

يُبنى لَهُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ وَيَهدِمُ

لا يَذكُروا حَلَباً وَبيضُكَ دونَها

مَشهورَة فَهيَ الظُّبا وَهُمُ هُمُ

وَلَرُبَّما قالَ الجَبانُ بِقَلبِهِ

ما لا يَقومُ بِهِ اللِّسانُ وَلا الفَمُ

صَعبَت فَفازَ بِها الَّذي لا يُمتَطى

وَأَبَت فَمارَنَها الَّذي لا يُحطَمُ

كَم وَقفَةٍ لَكَ دونَها مَشهورَةٍ

وَالنَّقعُ لَيلٌ وَالأَسِنَّةُ أَنجُمُ

في حَيثُ يَرتابُ الحُسامُ بِحَدِّهِ

وَيَخونُ صَدرُ السَّمهَرِيِّ اللَّهذَمُ

شَرَفاً بَني العَبّاس إِنَّ حُسامَكُم

ماض يُطَبِّقُ في العِدى وَيُصَمِّمُ

حَمَلَت لِواءكُمُ السَّحابَ أَنامِلٌ

أَندى عَلَيهِ مِنَ السَّحابِ وَأَكرَمُ

فَكَأَنَّما حَكَمَت عَلى عَذَباتِهِ

أَن لا يُفارِقَها النُّسورُ الحُوَّمُ

لَولا ابنُ نَصرٍ ما أَظَلَّ عَلَيكُمُ

رُكنُ الحَطيم وَلا سَقاكُم زَمزَمُ

وَنَظَرتُمُ تِلكَ المَعالِمَ حجرة

عَنكُم كَما نَظَرَ الثَّراء المُعدَمُ

لَكِن أَعادَ لَكُم تُراثَ مُحَمَّدٍ

طَعنٌ تُرَدُّ بِهِ الحُقوقُ وَتُغرَمُ

وَمُتَوَّجٌ لَمَعَت أَسِرَّةُ وَجهِهِ

حَتّى أَضاء بِها الزَّمانُ المُظلِمُ

غَضبانُ يَطلُبُ حَقَّكُم بِعَزائِم

كَالدَّهرِ يُعطي ما يَشاءُ وَيَحرِمُ

وَمِنَ العَجائبِ أَنَّ بيضَ سُيوفِهِ

تَبكي دَماً وَكَأَنَّها تَتَبَسَّمُ

فالآنَ سُلِّمَتِ القُلوبُ إِلَيكُمُ

وَتَيَقَّنَت أَنَّ الخِلافَةَ فيكُمُ

ما كانَ حَملُكُمُ القَضيبَ بِنافِع

حَتّى يُضافَ إِلَيهِ هَذا المِخذَمُ

وَالخَوفُ أَدعى لِلقُلوبِ وَإِنَّما

خُلِقَت عَلى حُكمِ الطِّباعِ جَهَنَّمُ

جادَت بِكَ الأَيّامُ وَهيَ بَخيلَةٌ

شَرَفاً وَأَفصَحَ بي الزَّمانُ الأَعجَمُ

عَرَّضتُ قَبلَكَ بِالمَديحِ فَأَعرَضوا

وَجَلوتُ أَبكارَ القَريضِ وَقَد عَموا

وَفَطِنتَ بي فَلَبِستُ ما لَم يَلبَسوا

مِن وَشيهِ وَغَنِمتُ ما لَم يَغنَموا

وَهيَ القَوافي ما يُفَرَّطُ عِندَها

في العارِفاتِ وَلا تَضيعُ الأَنعُمُ

تَبقى مُخَلَّدَة وَكُلُّ غَريبَةٍ

حاشا عُلاكَ فَإِنَّها تَتَصَرَّمُ

وَأَبيهِمُ ما كُنتُ أَتبَعُ خُلَّباً

خَمَدَت بَوارِقُهُ وَبَحرُكَ مُفعَمُ

إِن أَعرَضوا عَنها فَإِنَّ عُقودَها

دُرٌّ لِمِثلِ نُحورِهِم لا يُنظَمُ

فاضَ الفُراتُ بِزَعمِهِم فَوَرَدتُهُ

وَتَرَكتُ كُلَّ غَمامَةٍ تَتَجَهَّمُ

تَرِبَت يَدٌ سَأَلَت سِواكَ وَأَجدَبَت

أَرض بِغَيرِ سَحابِ كَفِّكَ تُوسَمُ

فَالعِزُّ إِلّا في جنابِكَ ذِلَّةٌ

وَالمالُ إِلّا مِن نَداكَ مُحَرَّمُ

وَغَريبَةٍ سَبَقَ الوُشاةُ بِأَوَّلٍ

مِنها وَحُسنُ الشِّعرِ حينَ يُتَمَّمُ

غَنَّت كَما سَجَعَ الحَمامُ وَرُبَّما

زَأَرَت كَما هَدَرَ الفَنيقُ المُقرَمُ

كَالكاعِبِ الحَسناء إِلّا أَنَّها

مِن فَقدِها الأَكفاء قَبلَكَ أيِّمُ

أَظهَرتَ فيها المُعجِزاتِ لأمَّةٍ

ذَلَّ البَليغُ بِها وَعَزَّ المُفحَمُ

لَو كانَ في نَظمِ القَريضِ نُبوّة

صَلّى عَليَّ السّامِعونَ وَسَلَّموا