ما بال قلبك لا ينوء بحملها

ما بالُ قَلبِكَ لا يَنوءُ بِحَملِها

حَتّى كَأَنَّكَ ما بُليتَ بِمِثلِها

هِيَ ما أَلِفتَ مِنَ الخُطوبِ سَجِيَّةً

لَيسَ الفِراقُ غَريبَةً مِن فِعلِها

وَلَقَد رَمَتكَ فَكانَ صَبرُكَ نَثرَة

حَصداء تَهزَأ مِن صَوائِبِ نبلِها

وَلَعَلَّها ما ضاقَ عَقدُ أَسارِها

إِلّا وَقَد بَدَأَ القَضاء بِحَلِّها

أَسِفَت لِرائِعَةِ المَشيبِ كَأَنَّني

أَدرَكتُ أَوطارَ الصِّبا مِن قَبلِها

لا تَظلِميهِ فَما وَجَدتُ هُمومَهُ

إِلّا بِأَيّام الشَّبيبَةِ كُلِّها

عَصرٌ يُضَنُّ بِهِ وَقَد أَنفَقتُهُ

سرَفاً عَلى طَلِّ الدُّموعِ وَوَبلِها

وَقَضِيَّةٍ لِلدَّهرِ أَشكو جَورَها

حَتَّى كَأَنّي قَد رَضيتُ بِعَدلِها

يا بَرق طالِع مِن ثَنِييَّةِ جَوشَنٍ

حَلباً وَحَيِّ كَريمَةً مِن أَهلِها

وَاسأَلهُ هَل حَمَل النَّسيمُ تَحِيَّةً

مِنها فَإِنَّ هُبوبَهُ مِن رَسلِها

وَلَقَد رَأَيتُ فَهَل رَأَيت كَمَوقفٍ

لِلبَينِ يَشفَعُ هَجرُها في وَصلِها

وَمَدامِع سَبَقَت حَياكِ بِديمَةٍ

ما كُنتُ إِلّا قَطرَة في بَحرِها

وَإِذا القُلوبُ تَرادَفَت أَحزانُها

فَالدَّمعُ يَحمِلُ شُعبَةً مِن ثِقلِها

مالي وَلِلأَقدارِ ضاقَ بِصَرفِها

ذَرعي وَما ظَفِرَت يَديَّ بِنَيلِها

في كُلِّ يَومٍ غُربَةٌ وَصَبابَةٌ

عَجَباً لِجِدِّ النّائِباتِ وَهَزلِها

عَيشٌ أرَجِّيهِ وَيُسلِمُني إِلى

وَعدِ الأَماني الكاذِباتِ وَمطلِها

إِن تَسرِ في جَوبِ البِلادِ رَكائِبي

حَتّى نَهَجتُ بِها جَوائِرَ سُبلِها

وَطَرَقتُ أَندِيَةَ الدِّيارِ أشيمُها

في خِضبِ واديها وَبارِد ظِلِّها

وَلَقَد شَكَوتُ البَينَ عِندَ أَعَزِّها

جاراً فَكَيفَ أَكونُ عِندَ أَذَلِّها

طَلَعَت بِمَيّا فارِقينَ سَحابَةٌ

أعدت عَلى جَدبِ البِلادِ وَمَحلِها

وَهَمى بَنانُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ

فيها فَقَد نَسَخَت شَريعَةَ بُخلِها

أَلقى عَلى سَرح الثُّغورِ جِرانَهُ

يَقظانُ يَهزَأ بِالخُطوبِ وَسَلِّها

ماضٍ عَلى غَيبِ الزَّمانِ وَإِنَّما

يَبدو فِرَندُ المُرهَفاتِ بِصَقلِها

وَسَجِيَّةٌ في الجودِ ما حُمِدَ الحَيا

حَتّى تَعَلَّمَ خَطرَةَ مِن بَذلِها

شَهِدَت مَكارِمُهُ بِطيبِ نَجارِهِ

وَجَنى الفُروع مُخَبِّرٌ عَن أَصلِها

يُروى حَديثُ نَداهُ عَن أَعدائِهِ

حَتّى يَكونَ زِيادَة في غُلِّها

وَيَهُزُّهُ طَرَبُ السُّؤالِ بِنَشوَةٍ

أَغنَتهُ عَن نَهلِ المُدامِ وَعَلِّها

وَيَلينُ جانِبُهُ فَإِن خادَعتَهُ

فَحَذار مِن ريد الصفاح وَصلها

إِنَّ الفَضائِلِ لَم تَزَل مَبثوثَةً

حَتّى خُلِقتَ فَكُنتَ جامِعَ شَملِها

فَخرٌ لِمَن أَلقى إِلَيكَ أُمورَهُ

فَلَقَد أَناخَ الرّاسِياتِ بِحَملِها

وَلِدَولَةٍ أَصبَحتَ عِقدَ لِوائِها

وَسِنانَ صَعدَتِها وَمَضرِبَ نَصلِها

ما قَدَّمَتكَ سُدى وَلَكِن شانَها

نَقصٌ فَكُنتَ بَقِيَّةً مِن نَيلِها

جَمَحَت عَلى خُطّابِها وَاقتادَها

بِزِمامِ فَضلِكَ باعِثٌ مِن فَضلِها

وَإِذا المُلوكُ تَنافَسَت وزراؤها

فيها فَإِنَّ أَجَلَّها لأَجَلِّها

أَغنَتكَ عَن بيضِ الصَّوارِم هَيبَةً

لَم تُبقِ عِندَكَ رَغبَةً في سَلِّها

وَأَظَلَّتِ الأَعداء مِنكَ مَخافَةً

صارَت أَشَدَّ رَزِيَّة مِن قَتلِها

بَيني وَبَينَكَ حُرمَةٌ ما أَتَّقي

دَهري وَقَد عَلِقَت يَدايَ بِحَبلِها

وَمَوَدَّة قَدُمَت فَصارَت ذِمَّةً

بِأَبي العَلا إِلّا الوَفاء بِإِلِّها

حَنَّت إِلَيكَ عَزائِمي وَلَطالَما

نَفَرَت فَلَم تُملِك شَوارِدَ بُزلِها

عَزَّت أَزِمَّتُها وَلَكِن قادَها

شَوق أَلانَ قَساوَة مِن جَزلِها

وَإِذا صَنَعتَ يَداً ظَفِرتَ بجاهِدٍ

في حَمدِها وَمُوَثَّقٍ في غَلِّها