أيها السامر في دجلة

كم تمنّيتُ وما يُجدي وإن طال التمنّي

أنني أحيا كما شئتُ ويحيا ليَ فنّي

ضاعتِ الآمالُ والأحلام في دنيايَ منّي

وتوارت في الزوايا السود أنغامي ولحني

هذه الأنقاضُ قد صيَّرها التأريخ سجني

والفضاءُ الطلق ما أوحشَ مرآه بعيني

أيها السامرُ في دجلةَ لو تعرف شأني

خلِّني في ليليَ العابس يقظانَ ودعني

مثلَ طيرٍ هاجَه الذعرُ فلم يحفل بوَكْن

لحنيَ الشكوى وخمري ذَوْبُ أنفاسي وحزني

هذه النفسُ أراها بين تشكيكٍ وظنّ

تحسَب الأشباحَ في ثوب الدجى أسرابَ جِنّ

كلما قلتُ: ستخفَى عن خيالاتي وعنّي

أسرعتْ تجمع حولي رَهَج القفرِ وتبني

ما لهذا الليل قد طال فلا يُطلع فجرا؟

ولأكوابيَ قد جفَّتْ فلا تعرف خمرا

ولعُودٍ قد تلاشى وهو في كفِّيَ قسرا

حقليَ الضاحك بالأمس أراه اليومَ قفرا

والسواقي موحشات مُلئتْ شوكاً وصخرا

والمروج الخضر لاتبعث في الآفاق سحرا

والرياحينُ استحالت في سَموم القيظ صُفرا

والربيع السَّمْح قد عاد مع الأيام ذكرى

يِا لصَدَّاحٍ أسيرٍ بات لا يملك أمرا

تخِذَ العوسجَ مثواه وشوكَ الغاب وَكْرا

كلما رفَّ جناحاه هوى للأرض ذعرا

رصدوا الأفقَ حواليه فلم يبصرْ مَفرّا

وأحالوا الكونَ في عينيه جهماً مكفهرّا

أترى يرجع بعد القيد في دنياه حرّا؟