جهد الحزين إذا صرف القضا نزلا

جُهدُ الحَزينِ إِذا صَرَفَ القَضا نَزلا

أَن يُجزي مِن حَشاهُ بِالَّذي فَعَلا

وَيَبتَلِي مُقلَتَيهِ بِالبُكا وَكَفى

بِمَن بَكى قَبلَنا ناهٍ لَو اِمتَثَلا

سَلا المحبُّونَ بَعدَ اليَأسِ فَاِتَّخَذوا

تِلكَ الشُجونُ إِلى سَلوانهم سُبُلا

قَد أَوجَبَ الفَقَدُ حُزناً لِلفَتى فَبَكى

وَأَوجَب الحُزنُ صَبراً بَعدَهُ فَسَلا

اِستغفرُ اللَه ما دَمعي بِممتَسِكٍ

وَلا فُؤادي عَنِ الأَشجانِ مُشتَغِلا

وَلا يُطاوعُني صَبري فَأَصحَبُهُ

عَلى الَّذي بي وَلو طاوَعتُهُ عَذلا

طَويلُ لَيلٍ بِهِ أَمسى يُؤرِّقُني

يَومَ تَسَربل مِن أَذيالِهِ حُلَلا

يَومَ نَعَى ليَ مِن أَهوى بِبكرتِهِ

فَخِلْتُ شَمسَ الضُحى في مُقلَتي زُحَلا

في ذمَّةِ اللَهِ مَن عِندي لَهُ ذِممٌ

في الحُبِّ لَيسَ يَفيها مَدمَعٌ هَطلا

لَقَد تَرحَّلَ عَن عَيني وَأَودعَها

شَخصاً يَلوحُ خَيالاً لَيسَ مُرتَحِلا

فَظَلَّ يُوسِعُها شَجواً وَتُوسِعُهُ

غُسلاً بِعارضِ دَمعٍ فَوقَهُ اِنهَمَلا

يا صافيَ الوُدِّ ما أَوفاكَ تارِكهُ

وَإِن بَغى تَرْكَهُ قَلبي فَما عَدَلا

قَد جرَّعتْكَ المَنايا مِن مناهِلِها

كَأساً بِها ملت بَل مَيَّلْتَني ثَمِلا

ما كُنتُ أَحسَبُ أَن البينَ عَن أُمَمٍ

يَبتُّ مِن شَملِنا ما كانَ مُتَّصِلا

وَأَنَّنِي لَكَ راثٍ بِالقَريضِ وَما

يَقضي القَريضُ لَعَمري حَقّكَ الجَلَّلا

وَإِنَّ ساعةَ أنسٍ قَبلَ فُرقَتِنا

تَكونُ آخرَ عَهدٍ بَيننا حَصَلا

وَيُكحلُ الجفنُ منِّي بَعدَها بِدَمٍ

مِن حَيثُ جفنكَ وَيْحِيي بِالبِلَى اِكتَحَلا

هَجَرتَ لذَّةَ أَيامي فَلا وَصَلَت

وَواصل الغَمُّ أَحشائي فَلا رَحَلا

وَاِنحَلََّ الحُزنُ اضلاعاً بِكَ اِضطَرَمَت

وَجداً فَلا لَقِيَت مِن سلوةٍ بَلَلا

يا رَحمةَ اللَهِ حِلِّي فَوقَ رابيةٍ

بِسَفحِ لُبنانَ وَارَت طيَّها جَبَلا

وَيا ثِقالَ الغَوادي جاوِري حَرَماً

مُكرَّماً فيهِ ذاكَ البَدرُ قَد أَفَلا

لِلّهِ ما ضَمَّ مِن حِلمٍ وَمِن كَرَمٍ

مَثوى عَلى جسمه الباهي قَد اِشتَمَلا

وَمِن مَناهِلِ علمٍ راقَ مَورِدُها

وَمِن فضائلَ سارَت في الوَرى مَثَلا

وَمِن ذَخائِرِ أَسرارٍ لَو اِنتَصَفَت

لَزارَها كُلُّ قاصي الدّارِ مُحتَفِلا

بَكَت عَلى فَقدِهِ الأَقلامُ نادِبةً

كَفا لَهُ طالَما أَزرَت بِها الأَسَلا

وَودّتِ الصُحْفُ إِذ وَلَّى لَو اِتَخَذَت

لَون المِدادِ لَها مِن لَونِها بَدَلا

وَأَصبَحَ الطِّبُّ مُعتَلَّا لِمَصرَعِهِ

وَكانَ مِمَّن بِهِ حَيثُ اِشتَكى نَصَلا

يا نازِلاً في زَوايا الرَمْسِ مُعتَزِلاً

ما كانَ يَعهدُكَ العافونَ مُعتزِلا

وَتارِكاً دارَهُ كَالقَفرِ خاليةً

وَلَم تَكُن تَسَعُ الضِّيفانَ وَالنُّزَلا

وَمُودِعاً كُلَّ جسمٍ بَعدَهُ سَقماً

وَكُنتُ أَجدرُ مَن نَشفي بِهِ العِلَلا

أَعيا الرَدى فيكَ ما نَبغيهِ مِن حِيَلٍ

وَطالَما كُنتَ تُعيي عِندَهُ الحِيَلا

فَمَن تَركْتَ سقاكَ العَفوُ صَيِّبَهُ

لِمن تَرَكت عَليلاً فيكَ مُنتَحِلا

وَمَن تَرَكْتَ لِفعلِ المُكرَماتِ تُرى

إِذا الأَكُفُّ شَكَت مِن دونِهِ شَلَلا

وَمَن تَرَكْتَ لَنا بَعدَ ابنِ بجدتِها

يَحلُّ مُستَغلِقَ المَعنى إِذا اِشتَكَلا

أَنا المُحبُّ وَلَكنِّي بِوَصفكَ قَد

قَصَّرتُ وَاُعذِرْ فَقَلبي بِالأَسَى ذُهِلا

ذَكَرتُ شَيئاً وَلو أَني وَفيتُ بِهِ

أَطَلتُ وَاللَهُ أَدرى بِالَّذي فَضَلا

يا يوسُفَ الحَسَنِ قَد أَنشَبَتَ في كَبِدِي

من قَلبِ يَعقوبَ جُرحاً لَيسَ مُندَمِلا

أَطلَقتَ مِن أَسرِ هَذا العَيشِ مُنصَرِفاً

وَباتَ قَلبيَ بِالأَحزانِ مُعتَقَلا

روحي فِداؤُكَ يا مَن قَد رُزِئتُ بِهِ

فَما تواصل روحي بَعدَه جَزَلا

جاوَزتُ ما بي إِلى عَرشٍ نعمتُ بِهِ

وَعاهَدَتْ أَدمُعِي الأَسحارَ وَالأَصَلا

وَما أَفيكَ بِها يَوماً وَقَد قَطَرَت

حُمراً لِأَنَّ بِها دونَ الوَفا خَجَلا

وَيلاهُ مِن وَصلِنا في الأَرضِ مُعتَقِباً

بالبينِ حُزناً طَويلاً لَيسَ مُنفَصِلا

قَد سَوَّدَتْ غِيَرُ الأَحداثِ أَوُجُهَها

وَطالَما شَيَّبت مِن دونِها القَذَلا

وَما العِتابُ عَلى غَدرِ الزَمانِ وَفِي

يَد النَوازِلِ سَيفٌ يَسبِقُ العَذَلا

هَذا الَّذي كُلُّ شَملٍ باتَ يَحذَرُهُ

فَلا يَزالُ لَدَيهِ خائِفاً وَجِلا

وَلَيسَ يَعرفُ خَلفاً في مَواعِدِهِ

دونَ النِّجازِ وَلَكنْ رُبَّما مَطَلا

قَد كُنتُ أَحسبُ أَنَّ الأَرضَ عامِرة

فَاِستَوحَشَتْ إِذ رَأتها مُقلَتي طَللَا

وَكُنتُ أَحسبُ أَنّا أَهلُها فَإِذا

كُلٌّ يَزمَّ المَطايا قَبلَما نَزَلا

بئسَ الديارُ ديارٌ للا ثَباتَ بِها

وَلا سَرورٌ بِهِ عَيشُ النَزيلِ حَلا

وَإِنَّما حظُّنا مِنها أَحبَّتَنا

فَإِن تَوَلَّوا قَطَعنا عِندَها الأَمَلا