في الركب بين هوادج الآرام

في الرَكبِ بَينَ هَوادجِ الآرامِ

قَمرٌ يسايِرُهُنَّ تَحتَ لِثامِ

تِلكَ الرَكائبُ سارَ قَلبي خَلفَها

مُتَتَبِّعاً لِمَواطِئِ الأَقدامِ

يَومٌ وَقَفتُ بِهِ كَئيباً حائِراً

لِلبينِ أَسألُ رَحمةَ الأَنعامِ

ساروا وَقَد قَطَعَ النَسيجُ كَلامَهُم

وَجداً وَخَطَّت عَبرتايَ كَلامي

مِن كُلِّ أَصفَرَ شاحِبٍ قَد راعَهُ

جَزَعِي فَاورَثَهُ الشُحوبُ سَقامي

وَبَدا مُقلّدهُ بَعقديْ لُؤلؤٍ

مِن دُرِّ أَجفانٍ وَدُرِّ نِظامِ

يا جيرةَ الحَيِّ الأُلى قَضَتِ النَوى

بِبعادِهِم فَقَضَت بِقُربِ حِمامي

فَارقتمُ طَرفي القَريحَ وَحلتُمُ

بِالسُهدِ ما بَيني وَبَينَ مَنامي

وَتَرَكتُمُ لي مُهجَةً مَسلوبةً

في كَفِ كُلِّ مُغرِّبٍ نَسّامِ

وَجَوانِحاً حَرّى تَذوبُ مِن الأَسى

وَجوارِحاً أَمسَت رَميمَ عِظامِ

نَزلَ الفِراقُ بِنا فَما لَكَ مَوضِعٌ

يا صَبرُ عِندي فَاِرتَحِل بِسَلامِ

وَتَعهَّدي يا نَفسُ ما لَم تعهَدِي

تَركاً لَهُ مِن صبوةٍ وَهُيامِ

وَإِذا خَشيتِ عَلى الصَبابةِ سَلوةً

فَتَعَوَّذي بِجَمالهم وَغَرامي

وَإِذا رمتكِ يَد الزَمان بِنَكبةٍ

فَاِستَنجِدي بوزيرِنا المِقدامِ

ذي الدَولةِ العُظمى الَّذي مَن أَمَّهُ

فَجِوارُهُ حَرمٌ عَلى الأَيَّامِ

الراشدُ الهادي الأَمينُ المُقتَدِي

بِسَدادِ أَمرِ الواحدِ العَلَّامِ

قَد ساسَ أَطرافَ البِلادِ بِحكمةٍ

غمَضَتْ سَرائِرُها عَن الأَوهامِ

بادي الحَصافة أَصغراهُ كِلاهُما

بحرٌ كَبيرٌ بِالحَقائقِ طامِ

في جَفنِهِ قَمَرٌ يُنير إِذا دَجا

لَيلُ المَشاكلِ في سَما الأَحكامِ

مُتَقَلِّد الصّمصامِ فَوقَ عَزيمةٍ

هِيَ في الوَغى أَمضى مِن الصّمصامِ

بَأسٌ تُمازِجُهُ خَلائقُ رقَّةٍ

كَالماءِ مازجَ قرقفاً في الجامِ

أَمِنَت بِهَيبَتِهِ النُّفوسُ فلم تكدْ

تُؤذي النِيامَ رَوائعُ الأَحلامِ

جَرَّارُ خَيلٍ بِالحَديدِ تَموَّجَت

في كُلِّ جَيشٍ كَالغِطمِّ لُهامِ

تَجري عَلى آثارِ أَروعَ هَمُّهُ

إِظماءُ مكحلةٍ وَريِّ حُسامِ

فَسَلِ البَداوةَ أَينَ أَمسى جَمعَها

بِازاءِ سَطوةِ ذَلِكَ الضِّرغامِ

هَبَّت ضِخامُ طَلائعٍ في وَجهِهِ

حَتّى أَنهزَمنَ فَبُؤْنَ غَير ضِخامِ

خَفَقَتْ قُلوبُهُم اِرتِياعاً عِندَما

وافاهُمُ بِخَوافقِ الأَعلامِ

ما كانَ حينَ لَقَوه إِلّا صَدمةً

عَلِموا بِها في الكَرِّ صِدقَ صِدامِ

فَتناثَروا فَوقَ الصَعيد وَقَد رَأَوا

نَثر المَفاصِلِ حَولَهُم وَالهامِ

وَغَدَوا كَأَنَّ الأَرضَ تَطردُ فَلَّهم

وَكَأَنَّهُم يَسعَونَ فَوقَ ضِرامِ

يَتَعجَّلونَ إِلى الإِكامِ فِرارَهم

وَإَلَيهِ تُسلمهم ذُرى الآكامِ

تَرَكوا لوحشِ القَفرِ قَتلاهُم وَقَد

تخِذوا مَقامَ الوَحشِ في الآجامِ

وَغَدا جَريئُهُمُ الَّذي ثَبَتَتَ لَهُ

نَفسٌ يِمَنِّيها بِالاستسلامِ

مَلأ البِقاعَ أَنينُهُم حَتّى لَقَد

أَمسى يَئنُّ لَهُم صَدى الاهضامِ

وَبَكَت بِماء جُسومِهِم أَسيافُهُ

حتَّى انثنَت وجُفونهنَّ دوامي

الله أكبرُ تلكَ عُقبى مَن بَغى

جزى بِكُفر صَنيعةٍ وَذِمامِ

يا مَعشَر الأَعرابِ ذاكَ مُحَمَّدٌ

وافاكُمُ بِالقَسطِ وَالأَحكامِ

عَهِدتْ لحكمتهِ الأُمورُ فَساسها

بِظُبى النِّصالِ وَأَرؤُسِ الأَقلامِ

رَأيٌ كَما سَفرَ الضُحى وَبَديهةٌ

مَلَكَت سَدادَ النَقضِ وَالابرامِ

السَيِّدُ السَنَدُ الَّذي أَضحى بِهِ

نَهجُ العَدالةِ واضحُ الأَعلامِ

نَشرَ الأَمانَ عَلى المَسالكِ فَاِنبَرى

بِثَناهُ يَحدو كُلّ رَبِّ خِطامِ

وَشَدَت بِمنَّتِهِ البِلادُ وَمَن ثَوى

فيها مِن الأَعرابِ وَالأَعجامِ

ولِمنطِقِ التأْريخِ خَتمٌ بالدُّعا

لِعُلاهُ أَرِّخْ وهو خيرُ خِتامِ