ياسيد الخلق

رِفْقًا بقَلْبي كَفَاني مِنْكَ هِجْرَانَا

وَارْحَمْ فجَفْني يَبِيتُ الليلَ يقظانا

أتيتُ والحبُّ يدعوني ويدفعُني

والشَّوْقُ بين ضلوعي شبَّ نِيرَانَا

وجئتُ والدمع منهلٌّ ومنهمرٌ

ينسابُ من جفني المقروحِ طوفانا

فارحمْ دموعي لا تطردْ شفاعتَها

فالدمعُ يشفعُ للعُشَّاق أحيانَا

يسلو المحبُّون أحيانًا إذا يئسوا

وقد يئستُ فما حاولتُ سلوانَا !

حُبِّي لِطَهَ عجيـبٌ في تصرُّفه

إن زاد يأي يزيدُ القلب تَحْنَانَا !

يا سيِّدَ الخلقِ صِلْني واشْفِ لِي ظمئي

وَاسْألِ اللهَ لي عَفْوًا وغُفْرَانَا

هذي ذنوبي جلَّتْ لستُ أذكرُها

إلا استبدَّتْ بيَ الأحزانُ ألوانا

مولايَ يا خيرَ من تُرجى شفاعتُه

إذا شفعتَ فذنبي كلُّه هانَا

فاشفعْ فأنت شفيعُ الناسِ قاطبةً

ولم يُشَفِّعْ سِوَاكَ الله إنسانا

أعطاك ربُّك ما لم يعطه أحدًا

علمًا وحلمًا وإخلاصًا وإيمانَا

وأنت أعظمُ خلقِ اللهِ مكرمةً

وأنت أطهرُهُم حِسًّا ووجدانَا

أتيت والكونُ أعْمَى حائرٌ قَلِقٌ

والناسُ كانُوا به صُمًّا وعُمْيَانَا

فَشَاعَ نُورُكَ يجلُو كُلَّ مظلمـةٍ

وفاضَ هدْيُكَ يَهْدِي الإنسَ والجانا

أتيتَ والناسُ أجناسٌ مُمَزَّقةٌ

فاضتْ قلوبُهُمُ بَغْيًا وَعُدْوانَا

فَرُحْتَ تمحو فروقَ الجنسِ بينهمُ

حتَّى جعلتَهُمُ في اللَّهِ إخْوَانَا

أتيتَ والناسُ في أديانهم عجبٌ

حيرانُ قلَّد في الإشراكِ حيرانا

فقمتَ تدعو إِلَهًا واحدًا أحدًا

ربَّ السماء وربَّ الأرضِ رَحْمَانَا

دعوْتَهُمْ يَعْبُدُونَ الله فامتلئُوا

حقدًا وزادُوا على الكُفرانِ كُفرانَا

فلم يروِّعْكَ سيفُ الكفرِ مُنْصَلِتًا

ولَمْ يُخِفْكَ عَدُوُّ الله غَضْبَانَا

ومَدَّك الله بالآياتِ عاجلةً

فجاء يسعى إليك النصرُ عجْلانا

وأقبل الفتحُ وانسابتْ مواكبُهُ

ودانَ للهِ مَنْ لَوْلاكَ ما دانا

وآمنَ الناسُ بالرحمنِ وامـتثلوا

وعزَّ بالله والإسلامِ مَنْ هَانَا

أتيت والعَرَبُ البَادُونَ قد مَلَكُوا

أعِنَّةَ القولِ واقْتَادُوهُ فُرْسَانَا

إن ينظمـوا سحروا أو ينثروا بَهَرُوا

هُمُ الفِصَاحُ جَلَوْا قُسًّا وسَحْبَانا

فجاءك اللهُ بالقرآنِ معجزةً

تَحَدَّتِ اللُّسْنَ تجويدًا وإتقانا

قالوا: هي الشعر أين الشعر من سُوَرٍ

تَهْدِي الحياتَيْنِ: دنيانا وأخْرانا؟

تَجْري الحقائقُ في القرآنِ مُرْسَلَةً

والشعرُ يَجْرِي خَيَالاتٍ وأوزانا

قالوا: هي السحرُ أين السحرُ من غُرَرٍ

ضَاءتْ فكانتْ يواقيتًا وعِقْيَانَا

السحرُ يَجْري ضلالاتٍ مُزَوَّرةً

وتلك تَجْري هِداياتٍ وفُرْقَانَا

اللهُ أنْزَلَهَا بالحقِّ بيِّنةً

فبانَ منها جبينُ الْحَقِّ وازْدانا

واللهُ أنزلَهَا آيًا مفصَّلَةً

ففَصَّلَتْ لرؤوسِ القوْلِ تيجَانَا

مولاي جئتَ إلى الدنيا بمعجزةٍ

كانت وما برحتْ للحقِّ عُنْوَانَا

يا سيدي كلُّ شيءٍ كان يُعْوِزُهُ

مِيزانُهُ فأتى القُرْآنُ ميزانَا

موسى أتى بالعصا تنسابُ لاقفةً

ما خيَّلَ السِّحْرُ ثُعْبَانًا فثُعْبَانَا

وجاء عيسى يداوي كلَّ ذي سقمٍ

ويُرْجِعُ الميْتُ حيًّا مثلما كانَا

الْمُرْسَلُونَ أتى كُلٌّ بمعجزةٍ

كانت تَبينُ عن الدنيا إذَا بانا

وأنتَ جئتَ إلى الدنيا بباقيةٍ

حسناءَ كانت لعينِ الخلدِ إنسانا

نُقِلْتَ للمَلإِ الأعْلَى وما فتئتْ

تُحْيِي وتُنْشِئُ أجْيالاً وأزْمَانَا

مولاي يا سيدَ الدنيا وصفـوَتَها

أدْرِكْ فقد غرقت في الشرِّ دنيانا

عادَ الزمانُ إلى ما كان مُرْتَكَسًا

في الجاهليَّةِ خدَّاعًا وخَوَّانا

والناسُ أمْسَوْا كما أمسى زمانُهُمُ

صَرْعَى الرَّذَائِلِ أرْوَاحًا وأبْدَانا

قد عاوَدُوا الظلمَ واسْتحْلَوْا مَرَاتعَهُ

وباتَ عادلُهُمْ بالعَدْلِ غَصَّانَا

وعاقروا الخمرَ لم أنظرْ لمجتمعٍ

إلاَّ رأيتُ به سَكْرَى وسَكْرَانَا

وطفَّفُوا الكيْلَ إن كالوا وإن وزنُوا

رَأَيتَهُمْ مَلَئُوا الميزانَ خُسْرَانا

حتى الأماناتُ ما بالَوْا بِهَا فإذا

أَنْتَ ائتمنتَ أمينًا مِنْهُمُ خَانَا !

مَوْلايَ إنَّا ارتكبْنَا كُلَّ معصيةٍ

حتَّى مَلأنَا كتابَ العُمْرِ عِصْيَانَا

إنا ارتكبْنَا خطايانا بلا خَجَلٍ

حتى لقد خجِلَتْ منَّا خطايانا

فاشفعْ لنا واسْأَلِ الرحمنَ مَغْفِرَةً

أنتَ الشفيعُ لدنيانا وأُخْرَانَا