عيل العزاء وخانني صبري

عيلَ العَزاءُ وَخانَني صَبري

لَمّا نَعى الناعي أَبا بَكرِ

وَرَأَيتُ رَيبَ الدَّهرِ أَفرَدَني

مِنهُ وَأَسلَمَ لِلعِدا ظَهري

مِن طَيِّبِ الأَثوابِ مُقتَبِلٍ

حُلوِ الشَّمائِلِ ماجِدٍ غَمرِ

فَمَضى لِوجهَتِهِ وَأَدركهُ

قَدَرٌ أُتيحَ لَهُ مِنَ القَدرِ

وَغَبَرتُ مالي مِن تَذَكُّرِهِ

إِلّا الأَسى وَحَرارَةُ الصَّدرِ

وَجَوىً يُعاوِدُني وَقَلَّ لَهُ

مِنّي الجَوى وَمَحاسِنُ الذِّكرِ

لَمّا هَوَت أَيدي الرِّجال بِهِ

في قَعرِ ذاتِ جَوانِبٍ غُبرِ

وَعَلِمتُ أَنّي لَن أُلاقِيَهُ

في الناسِ حَتّى مُلتَقى الحَشرِ

كادَت لِفُرقَتِهِ وَما ظلمَت

نَفسي تَموتُ عَلى شَفا القَبرِ

وَلَعَمرُ مَن حُبِسَ الهَدِيُّ لَهُ

بِالأَخشَبَينِ صَبيحَةَ النَّحرِ

لَو كانَ نَيلُ الخُلدِ يُدرِكُهُ

بَشَرٌ بِطيبِ الخيم وَالنَّجرِ

لغبرتَ لا تخشى المنون ولا

أودى بِنَفسِكَ حادِثُ الدَّهرِ

وَلنِعمَ مَأوى المُرمَلينَ إِذا

قحطوا وَأَخلَفَ صائِبُ القَطرِ

كَم قُلتُ آوِنَةً وَقَد ذَرَفَت

عَيني فَماءُ شُؤونها يَجري

أَنّى وَأَيُّ فَتىً يَكونُ لَنا

شَرواكَ عِندَ تَفاقُمِ الأَمرِ

لدِفاع خَصمٍ ذي مُشاغبَةٍ

وَلعائِلٍ تَرِبٍ أَخي فَقرِ

وَلَقَد عَلِمتُ وَإِن ضُمِنتُ جَوىً

مِمّا أُجِنُّ كَواهِج الجَمرِ

ما لامرِئٍ دونَ المَنِيَّةِ من

نَفَقٍ فَيحرزُهُ وَلا سِترِ