أعاشر قوما عندهم لي عداوة

أعاشر قوما عندهم لي عداوة

أداريهم لو كان يجدي المداراةُ

وأطلب من ناس يعادونني الرضى

وبين الرضى والحقد منهم مسافات

تمرّ الليالي عاجلات فتنقضي

ولا تنقضي في القوم تلك العداوات

يريني ولاء معشرٌ في عيونهم

على ما أكنّوا في القلوب دلالات

ويجمعهم والشر طبع وإنما

قلوبهمُ في غير ذلك أشتات

وإني لأسترضيهمُ عن تجامُلِ

وتأبى عليهم في القلوب حزازات

تقال أكاذيب عليَّ عظيمة

فيوشك منها أن تمور السمواتُ

يسومونني ذلا فآبى قبوله

وهل تقبل الذل النفوس الأبيات

وهم كلما سيموا من الخسف خطة

أقرت لها منهم نفوس دنيَّات

وهل بين من لا يرتضي بمهانة

وبين الذي يرضى الهوان مساواة

نصحتهمُ لو أنهم يسمعونني

ولكن أبت أن تسمع النصح أموات

أريهم بنصحى وجهة الحق مثلما

تريك عيانا صورة الشيء مرآة

رقَت بأناس جاهلين حظوظهم

إلى رتب في الجاه والحظ مرقاة

تزول منافاة النقيضين منهما

وبين الحجى والحظ تبقى المنافاة

أتوا بوشايات عظيم إثامها

فكادت بها تغتال نفسيَ آفات

ولست أخاف الموت أو أرهب الردى

وما قُضيت لي في الحياة اللبانات

فلولا أمانيَّ التي أنا عائش

لإدراكها طابت لديّ المنيَّات

وسرَّ لقاء الموت قلبيَ مثلما

تسرّ محباً من حبيب ملاقاة

فكم دُبِّرت منهم عليَّ سعاية

وكم زُوِّرت منهم عليّ شهادات

ولست أجازيهم بمثل الذي وشوا

فإن سلاح الأذلين الوشايات

أبغدادُ أنت الموطن الأوَّل الذي

به طاب في عهد الصبا لي صبابات

إذ العيش مخضر يلوح لناظري

عليه صفاء لم تَشَبهُ الكدُورات

فلما انقضت أيام لهوي وصبوتي

وأصحبني الناسَ اللئام الضرورات

وجدتُهم إما عدواً منافقا

على قلبه في الوجه منه علامات

وإما صديقاً في الرخاء يزورني

وينأى إذا اشتدت عليَّ الملمات

عداك الحيا من بلدة عمَّ شرها

وسادت بها دون البلاد الجهالات

ولم تر في سكانها غير ظالم

وأما أولو الإنصاف منهم فقد ماتوا

تلاعب أطماع الولاة بهم فما

أحسُّوا كأن القوم فيها جمادات

ولولا اجتناب الذام كنت هجوتهم

فحّلت بهم من سيف شعري نكايات

ولكنني إن جار في القوم معتدٍ

فليس سوى الإعراض عندي مجازاة

عسى اللَه أن يستبدل الغي بالهدى

ولِلّه محوٌ في الأمور وإثبات

توعدني بالقتل قوم وإنما

لكل امرئ في الموت يوم وميقات

برئت من العلياء إن كان لي بما

توعدني القوم اللئام مبالاة

فإن تقتلوني تقتلوا غير معتدٍ

عليكم ولا باغٍ عدته المروءات