كذب الرجاء فما نجيب يرجع

كذب الرجاء فما نجيبٌ يرجع

وأقضّ يا سلمى عليك المضجعُ

يا حزن نب يا قلب ذب يا طرف صب

خاب الذي كنا له نتوقع

يا أم صدري والنون تذكى الهوى

يا أم كانونٌ لنارٍ تلذع

إن الفؤاد يصير فيهِ أدمعا

وتسيل فوق الخد مني الأدمع

أوجاع ما تبدي العيون شديدة

وأشد منها ما تجُنُّ الأضلع

قلت الإياس به لنفسي راحة

فإذا الإياس وما يولد أوجع

كانت بليل الهجر في قلبي المنى

مثل النجوم المستنيرة تطلع

فأتى سحاب اليأس يملأ جوه

فتغيبت تلك النجوم اللُّمَع

يا أم جربت البكاء وعكسَه

يا أم إن كليهما لا ينفع

قالوا تزوَّجَ في فروق غنية

أموالها تُعلى الرجال وترفع

هذا هو الخبر الذي لسماعه

أمسى رجائي حبله يتقطع

هذا هو الخبر الذي باتت له

في الليل نفسي والنهار تُروّع

ما إن أسيت لكونهِ متزوجاً

ليكن له ليكن حلائل أربع

لكن تَصَوُّرَ كونه يبقى كذا

متباعداً عني لقلبي يصدع

كيف الإقامة يا نجيب فدلني

بالدار بعدك وهي قفرٌ بلقع

حسبي من الآلام ما أشقى بهِ

حسبي من الأقوال ما أنا أسمع

كانت لعمري في بداية أمرها

سلمى وحيدة موسرٍ يتبرع

بنتٌ أبوها جدَّ في تهذيبها

وقضى فناهزت البلوغ ترعرع

عذراء بارعة الجمال فتيةٌ

في وجهها نور الشبيبة يلمع

خدٌّ كنُوار الربيع مورد

ونواظرٌ دعج وجيد أتلع

ربيت وشبَّت في حماية أمها

تلهو بموروث الثَراء وترتع

حيث الحنانُ ظلاله ممدودة

حيث الوداد غصونه تتفرع

كانت تحبُّ الزهر وهو يحبها

فكلاهما متوهج متضوع

يتبسمان بشاشة واليوم قد

ذهبت بشاشات الأحبة أجمع

أما نجيب فهو صادفها فتى

يزهو بحسنٍ للغواني يخدع

جازٌ لها لكنه متقلب

في الفقر إلا أنه يتصنع

يرنو إليها من نوافذ بيتهِ

وإليهِ من شباكها تتطلع

حتى تورَّط قلبها في حبهِ

وغدت بغير لقائهِ لا تقنع

وأبان يخدعها نجيب إنه

بجمالها الفتان صبٌّ مولع

مرت شهور في الغرام عليهما

هذا يغازلها وهذي تسجعُ

والأم لما شاهدت من بنتها

ذاك اللجاج وأنها لا تُقلع

رضيت أخيراً أن تزوِّجها بهِ

كرهاً وكانت قبل ذلك تمنع

مرَّت ثلاث سنين وهو خلالها

في القمرِ يصرف مالها ويُضيَّع

حتى إذا نفدت جميع نقودها

وغدا الأثاث يباع ثم يوزَّع

أنهى لسلمى قائلاً أحبيبتي

ليس الأمور هنا كما أتوقع

إني نويت إلى فروق رحلةً

على أنال بها مقاماً يرفع

فبكت لتمنَعه الرحيل وأعولت

لكن نجيبٌ بالقطيعة مزمع

هو جالس يبدي لسلمى عزمَه

وأمامه سلمى الحزينة تضرع

أحليلتي لا تجزعي من رحلتي

إني إليكم عن قريب أرجع

فمضى ومرَّت حجتان ولم يجئ

منه كتاب للكآبة يدفع

سلمى جثت يوماً بجانب أمها

تبكي كما يبكي الحزين المفجع

تشكو تباريح الفراقِ لها كما

قد كنت في صدر القصيدة تسمع

والهمُّ يضغط قلبها من داخل

حتى يكاد شغافه يتمزع

والأم جالسة تسليها إذا

بالباب من دون انتظار يقرع

فمشت لباب الدار سعياً أمها

ريحانة وكذاك سلمى تهرع

وإذا بمأمور البريد يقل في ال

أَيدي كتاباً لم يكن يتوقع

سلمى تسلمت الكتاب وقلبها

فرقاً يكاد بصدرها يتفلَّع

فضَّته تاليةً له حتى إذا

فرغت من التلوِّ صاحت تجزع

يا أم طلَّقني فماذا حيلتي

يا أم سرَّحني فماذا أصنع

يا أم لا تنأين عني إنني

عما قليل للحياة أودعُ

يا أم في نفسي عذابٌ مؤلم

يا أم في قلبي اضطراب موجع

وأُحسُّ أن سراج روحي ينطفي

والقلب مني بالأسى يتصدَّع

وكان في لحمي وجلدي والحشا

والعظم يا أمي أراقمَ تلسع

ربَّيت مثلَ الزهر آمالاً بها

كان الفؤاد على النوى يتمتع

ويعيش مسروراً بها آهٍ فقد

هبت على الآمال ريحٌ زعزع

ويحي لممحوض العلاقة يزدري

ويحي لمعروض الوداد يضيَّع

لهفي على شرخ الشباب صرفته

في حب غدَّار يغرُّ ويخدع

لهفي على الأيام كيف تبدَّلت

والعيش كيف مضى فما أن يرجع

يا موت إنك أنت أنت الملتجى

وإليك من هول الحياة المفزع

يا موت زر يا موت زر يا موت زر

ليست حياتي بعد فيها أطمع

يا موت يا كلَّ النجاةِ يقول لي

قلبي فضاؤُك من فضائي أوسع