إلى الرصافي

تمرَّستَ ” بالأولى ” فكنتَ المُغامِرا

وفكَّرتَ ” بالأخرى ” فكنتَ المُجاهِرا

وفضَّلتَ عيشاً بين تلك وهذه

به كنتَ ، بل لولاهُ ، ما كنتَ شاعرا

وما الشِّعرُ إلاَّ ما تفتَّقَ نُورهُ

عن الذهنِ مشبوباً ، عن الفكر حائرا

عن النفس جاشت فاستجاشت بفيضها

عن القلبِ مرتجَّ العواطفِ زاخراً

وما زجَّ في شتَّى المَهاوي بربِّه

وقحَّمهُ ” النَهجينِ ” قصداً ، وجائرا

وما هو بالحبلِ الذي رُحتَ مرغِماً

” أوائلَه ” أنْ تلتقي و ” الأواخرا”

وكنتَ جريئاً حين يدعوكَ خاطرٌ

مِن الفكر أن تدعو إليك المَخاطرا

على ثقةٍ أنْ لستَ في الناس واجداً

على مِثله – إلاَّ القليلَ – مُناصراً

وكنتَ صريحاً في حياتكَ كلِّها

وكانَ – ومازالَ – المصارِحُ نادراً

فانْ شابَها ما لم تجدْ عنه نُدحةً

شَفَعْتَ به حُكم الظروف مُسايرا

فقد كنتَ عن وحي الضرورةِ ناطقاً

وقد كنتَ عن محضِ الطبيعة صادراً

وقد كنتَ في تلك ” الأماديحِ ” شاتماً

محيطاً ” بأربابِ ” القرائحِ كافرا

وإلاَّ فأنتَ المانعُ الصُغرِ ” عن يدٍ

أبتْ أنْ تُحلَّى في الجِنان أساورا”

وإنَّكَ أنقى من نُفوسِ خبيثةٍ

تُراوِدُ بالصَّمت المريبِ المَناكرا

تَعيبُ على الشِّعرِ التَّحايا رقيقةً

وتلثُم من ” بغلٍ هجينٍ ” حوافرا

تُريدُ القوافي المؤنساتِ غفيفةً

وقد أشغرتْ – للفاحشاتِ – الضمائرا

وتُنكر أنْ يُستنشقَ الشعرُ ” نفحةً “

وقد فَغرتْ أشداقَها والمناخرا

وتطوي على ” أُمِّ الدَّنايا ” مَباطناً

وتُلقي عليها من إباءٍ مظاهرا

كما أسدلتْ ليلاً ” هلوكٌ ” مُلحَّةٌ

على مخدعِ العُهرِ الحريرَ ستائرا

من العارِ أنْ نرضى التذبذبَ صامتاً

دنيئاً ، خبيثاً ، والغاً ، متصاغرا

على حينَ نأبى أن تحرِّكَ شاعراً

ضرورةُ حالٍ بدَّلَتْ منه خاطرا

وإنيّ إذْ أُهدي إليكَ تحيَّتي

أهزُّ بكَ الجْيلَ العَقوقَ المُعاصِرا

أهزُّ بكَ الجيلَ الذي لا تهزُّه

نوابغُه ، حتى تزورَ المقابرا