الإقطاع

ألا قُوَّةٌ تسطيعُ دفع المَظالِمِ

وإنعاشَ مخلوقٍ على الذُّلِّ نائِمِ

ألا أعينٌ تُلقى على الشَّعْبِ هاوياً

إلى حَمْأةِ الإدقاعِ نظرةَ راحم

وهَلْ ما يرجِّي المُصلحونَ يَرونهُ

مواجَهَةً أمْ تلكَ أضغاثُ حالم

تعالَتْ يدُ الاقطاعِ حتَّى تعطَّلَتْ

عنِ البتِّ في احكامِها يدُ حاكم

وحتَّى استبدَّتْ بالسَّوادِ زعانِفٌ

إلى نَفْعِها تستاقُهُ كالبهائم

إذا رُمْتُ أوصافاً تليقُ بحالةٍ

تعرَّفْتُها ضاقَتْ بطونُ المعاجم

ألا نستحي منْ أنْ يُقالَ بلادُهُمْ

عليها مِنَ الإذلالِ ضربةُ لازم

هي الأرضُ لم يَخْصُصُ لها اللهُ مالكاً

يُصَرَّفُها مُسْتَهْتَراً في الجرائم

ولم يَبْغِ منها أنْ يكونَ نَتاجُها

شَقاوةَ مظلومٍ ونعمةَ ظالم

عجِبتُ لخلْقٍ في المَغارِمِ رازِحٍ

يُقدِّمُ ما تجني يداهُ لغانم

وأنكا من هذا التغابُنِ قُرْحَةً

غباوةُ مَخْدومٍ وفِطنةُ خادم

وكمْ مِن خُمولٍ لاحَ في وجه متْرفٍ

وكمْ من نبوغٍ شعَّ في عينِ عادِم

لو اطَّلَعتْ عيناكَ أبصرتَ مأْتَماً

أُقيمَ على الأحياءِ قبلَ المآتم

وإلاّ فما هذا الشَّقاءُ مُسَيْطِراً

لهُ في جباهِ القومِ مثلُ المياسم

إذا أقبلََ ” الشيخُ المُطاعُ “وخَلْفَهُ

منَ الزارعين الأرضَ مِثْلُ السَّوائم!

مِنَ المُزهَقي الأرواح يَصلي وجوهَهُمْ

مَهَبُّ أعاصيرٍ ، ولفحُ سمائم

قِياماً على أعتابهِ يُمطِرونها

خُنوعاً وذُلّاً بالشّفاهِ اللواثم

رأيتَ مثالاً ثَمَّ لابنِ ملائكٍ

تَنَزَّلَ مِن عَليْائهِ وابنِ آدم!

حَنايا مِنَ الأكواخِ تُلقي ظِلالَها

على مِثْلِ جُبٍ باهتِ النُور قاتم

تلوَّتْ سِياطٌ فوقَ ظهرِ مكرَّمٍ

مِن اللُؤمِ مأخوذٍ بسوطِ الألائم

وباتَتْ بطونٌ ساغِباتٌ على طَوىً

وأُتخِمَت الأخرى بِطيبِ المطاعم

أهذي رعايا أُمَّةٍ قد تهيَّأتْ

لِتسْقَبْلَ الدُّنيا بعزمِ المُهاجم!؟

أهذا سوادٌ يُبتغىَ لِمُلِمَّةٍ

ونحتاجُهُ في المأزِق المتلاحِم ؟

أهذي النفوسُ الخاوياتُ ضَراعةً

نُباهي بها الأقرانَ يومَ التَّصادم؟

أمِنْ ساعِدٍ رِخوٍ هَزيلٍ وكاهلٍ

عجوزٍ نُريدُ المُلْكَ ثَبْتَ الدَّعائم!

مِنَ الظلْمِ أنَّا نَطْلُبُ العزمَ صادقاً

من الشعبِ منقوضَ القُوى والعزائم

وأنْ نَنْشُدَ الاخلاصَ في تضحياتهِ

ونحنُ تركناهُ ضحيَّةَ غاشم

وأنْ نبتغي رِكضاً حَثيثاً لِغايةٍ

نُحاوِلُها مِن راسِفٍ في أداهم

لنا حاجةٌ عندَ السَّوادِ عظيمةٌ

سنفقِدُها يومَ اشتدادِ الملاحِم

هُناِلكَ لا تُجدي فتيلاً عِصابةٌ

إذا جَدَّ خطبٌ فهي أوَّلُ راجم

وإنَّ سواداً يحمِلُ الجَوْرَ مُكْرَهاً

فقيرٌ لِهادٍ بَينِ النُصْحِ حازِم

يَشُنُّ على الاقطاعِ حرباً مُبيدةً

ولا يَختشي في الحقِّ لَوْمَةَ لائم

يَمُدُّ يداً تُعطي الضّعافَ حُقوقَهُمْ

ويَسْطو بأخرى باطشاً غيرَ راحم

ويجتَثُّ إقطاعاً أقَرَّتْ جُذُورَهُ

سياسةُ تفريقٍ وحَوْزُ مغانم

سياسةُ إفقارٍ ، وتجويعُ أُمَّةٍ

وتَسليطُ أفرادٍ جُناةٍ غَواشم

لقد قُلْتُ لو أصغى إلى القولِ سامعٌ

وما هوَ مِّني بالظُنونِ الرّواجم

ألا إنَّ وضعاً لا يكونُ رفاهُهُ

مُشاعاً على أفرادهِ غيرُ دائم

أمبترِداتٌ بالخُمورِ تثلَّجَتْ

وبالماءِ يَغلي بالعُطورِ الفواغِم

ومُفترِشاتٌ فضلةً في زرائبٍ

يُوَسّدُها ما حولَها مِن رَكائم

أمِنْ كدحِ آلافٍ تفيضُ تَعاسةً

يُمَتَّعُ فردٌ بالنعيمِ المُلازِم

وما أنا بالهيَّابِ ثورةَ طامعٍ

ولكنْ جِماعُ الأمرِ ثورةُ ناقم!

فما الجوعُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُهُ

ولا الظُلْمُ بالمرعى الهنيءِ لِطاعِم

نَذيرَكَ مِن خَلْقٍ أُطيلَ امتهانُه

وإنْ باتَ في شكلِ الضَّعيفِ المُسالم

بلادٌ تردَّتْ في مهاوٍ سحيقةٍ

وناءتْ بأحمالٍ ثِقالٍ قواصِم

تَبيتُ على وعدٍ قريبٍ بفتنةٍ

وتُضحي على قَرْنٍ من الشرِّ ناجم

ولو عُولِجَ الاقطاعُ حُمَّ شِفاؤها

ومَنْ لي بطَبٍّ بّينِ الحِذْقِ حاسم؟

ولم أرَ فيما ندَّعي مِن حضارةٍ

وما يَعتري أوضاعَنا مِن تلاؤم

وها إن هذا الشَّعْبَ يَطوي جَناحَهُ

على خَطَرٍ من سَورةِ اليأس داهم

غداً يستفيقُ الحالمونَ إذا مَشَتْ

رواعدُ من غضبابتهِ كالزمازم