الغضب الخلاق

مِنْ مَوْطِنِ الثّلْجِ زَحّافاً إلى عَدَنِ

خَبّتْ بِيَ الرَّيحُ في مُهْرٍ بِلا رَسَنِ

كَأْسِي عَلَى صَهْوَةٍ مِنْهُ يُصَفِّقُها

مَا قَيّضَ الله لِي مِنْ خَلْقِهِ الحَسَنِ

مِنْ مَوْطِنِ الثّلْجِ . مِنْ خُضْرِ العُيُونِ بِهِ

لِمَوْطِنِ السُّمْرِ مِنْ سَمْرَاءِ ذي يَزَنِ

مِنْ كُلِّ مُلْتَفّةِ الكَشْحَيْنِ نَاعِمَةٍ

مَيّادَةٍ مِثْلِ غُصْنِ البَانَةِ الَلدِنِ

يَا لَلتّصَابِي .. أَلاَ يَنْفَكُّ يَجْذِبُني

عَلَى الثّمانِينَ جَذْبَ النُّوقِ بِالعَطَنِ

قَالْوا : أَمَا تَنْتَشِي إلاّ عَلَى خَطَرٍ

فَقُلتُ : ذَلِكَ مِنْ لَهْوي ، ومِنْ دَدَنِي

سُبْحَانَ مَنْ ألّفَ الضِّدَّيْنِ فِي خَلَدي

فَرْطَ الشّجَاعَةِ فِي فَرْطٍ مِنَ الجُبُنِ

لا أتّقي خَزَراتِ “الذِّئْبِ” تَرْصُدُني

وأتّقِي نَظَراتِ “الأَدْعَجِ” الشّدِنِ

خَبّتْ بِي الرِّيحُ .. فِي إيمَاضِ بَارِقَةً

تُلْغِي مَسَافَةَ بَيْنَ العَيْنِ والأُذُنِ

لَمْ أدْرِهَا زَمَناً تُطْوَى مَرَاحِلُهُ

أمْ أنّها عَثَرَاتُ العُمْرِ بِالزَّمَنِ

وَاللهِ مَابَعُدَتْ دَارٌ ، وإِنْ بَعُدَتْ

مَا أقْرَبَ الشّوْطَ مِنْ أَهْلِي ومِنْ سَكَنِي

وَيَا شَبَاباً أَحَلّتْنِي مُرُؤَتُهُمْ

فِي أيِّ مُحْتَضِنِ مِنْ أَيِّ مُحْتَضَنِ

لا يَبْلُغُ الشُّكْرُ مَا تُسْدُونَ مِنْ كَرَمٍ

ولا يُوَفِّي بَيَانِي سَابِغَ المِنَنِ

أَتَيْتَكُمْ وَمَتَاعِي فَيْضُ عَاطِفَةٍ

بِهَا يُثَارُ جَنَانُ الأفْوَهِ اللّسِنِ

أُلقي عَلَيْكُمْ بِمَا أنْتُمْ أحَقُّ بِهِ

مِمَا يُنَفِّسُ عَنْ شَجْوٍ وَعَنْ حَزَنِ

وَنَاقِلُ التّمْرِ عَنْ جَهْلٍ إلَى “هَجَرٍ”

كَنَاقِلِ الشِّعْرِ مَوْشِيّاً إلَى “اليَمَنِ”

سَلِمْتِ يَا ثَوْرَةَ السِّتِّينَ فِي “اليَمَنِ”

لا تَرْمِ عَزْمَكِ جَبّاراً يَدُ الوَهَنِ

ولا يَعِثْ بصُدورٍ مِنْكِ مُؤمِنَةٍ

سُلُّ التفَرُّقِ والأهواءِ والإحَنِ

ولا يَطَحْ لكِ في عَلْيائِهِ عَلَمٌ

يُزهَى بِهِ النَّسْرُ طَلاَّعاً عَلَى القُنَنِ

وطَابَ زَرْعُكِ رَيَّانَاً غَنِيتِ بِهِ

فِي أَرْضِكِ البِكْرِ عَنْ مُخضَوضَرِ الدِّمَنِ

يَا طَلْعَةَ الفَجْرِ مِنْ يَوْمٍ وُعِدْتِ بِهِ

لَوْ لَمْ تَكَونِي صَبَاحاً مِنْهُ لَمْ يَكُنِ

وَيَا وَدِيعَةَ أجْيَالٍ تَلَقّفَهَا

رُوَّادُ جِيلٍ عَلَى الّلأْواء مُؤْتَمَنِ

حُثِّي خُطَاكِ إلَى غَايٍ خُلِقْتِ لَهَا

وَجَاوِزِيهَا ، ولا تَخْشَيْ ، وَلاَ تَهِنِي

آلاؤُكِ الغُرُّ مَا أسْلَفْتِ مِنْ نِعَمِ

ومَجْدُكِ الضَّخمُ مَا فَدَّاكِ مِنْ ثَمَنِ

الْكَادِحُونَ مَضَى قَرْنٌ ، وهُمْ أسُدٌ

مُصَفَّدونَ ، وَمَلْزوزونَ فِي قَرَنِ

مُسَمَّرونَ عَلَى غَيْظٍ يَضِجُّ بِهِمْ

مَا ضَجَّ سَاحِلُكِ المُرْتَجُّ بالسُّفُنِ

حتّى إذَا دَارَ يَوْماً “عَقْرَبُ” الزَّمَنِ

بِسَاعَةٍ هِيَ عُمْرُ الوَاثِقِ الفَطِنِ

مَدُّوا السّوَاعِدَ لَمْ تَنْصَبْ وَلَمْ تَلِنِ

تَجْتَثُّ كُلَّ جُذُورِ الغَابِرِ العَفِنِ

كَذَاكَ تَنْصَهِر الثّوْراتُ شَامِخَةً

شَبَتْ عَلَى الغَضَبِ الخَلاّقِ والمِحَنِ

وَأَنْتَ يَا أَيُّهَا الجِيلُ الّذِي احْتَضَنَتْ

يَوْمَيْكَ ، صُنْ غَدَها المَوْعُودَ ، وَاحْتَضِنِ

وَيَا أَحِبّايَ صَفْحَاً عَنْ مُكَابَرةٍ

مِنْ مُلْهَمٍ بِغُرُورِ النّفْسِ مُرْتَهَنِ

يُزْهَاهَ .. أَنْ قَوَافِيهِِ مُنْشَرَةٌ

يَشَّدُو الْحُدَاةُ بِهَا فِي الْحِلِّ وَالضَّعَنِ

إِنِّي وإِنْ كَانَ جَرَّسُ الكَأْسِ يَسْحَرُنِي

وَيّمْتَرِي سَمَرُ السُّمَّارِ مِنْ شَجْنِ

لَتسْتَجِمُ عَلَى الضَّرَاءِ خَاطِرَتِي

كَأْنَهَا نَشّوَةُ الْعَيَنَينِ بِالْوَسَنِ

وَيَسْتَبِدُّ بِنَفْسِي وَهْيَ حَالِمَةٌ

مِنْ كِبْرِيَاءِ الْقَوَافِي زَهْوُ مُفْتَتِنِ

مَا أرْخَصَ المَوْتَ عِنْدي إذْ يَنِدُّ فَمِي

بِمَا تَحُوكُ بَنَاتُ الشّعْرِ مِنْ كَفَنِي

وَمَا أَرَقَّ اللّيالِي وَهْيَ تُسْلِمُنِي

يَوْمَ القِرَاعِ لِظَهْرِ المَرْكَبِ الخَشِنِ

حَسِبتني وعُقابُ الجَوِّ يَصْعَدُ بِي

إلَى السّمَاواتِ ، مَحْمولاً إلَى وَطَنِي

مَا أقْرَبَ الشّمْسَ مِني ، غَيْرَ أنَّ دَمِي

مَا إنْ يُصَلِّي لِغَيْرِ الشّعْرِ مِنْ وَثَنِ

وَخِلْتُنِي وَالنْجُومُ الزُّهْرُ طَوْعُ يَدِي

عَنْهُنَّ فِيمَا أصُوغُ النّيِّراتِ غَنِي

أقُولُ والشّيْبُ يَحْدُونِي ، يُصَارِعُهُ

حُبُّ الحَيَاةِ ، وَمَا فِيها مِنَ الفِتَنِ

رِجْلاَنِ لِي يَحْمِلانِ “الشِّعْرَ” خَاتِمَةً

وَيَسْعَيانِ إلَى الأخْرَى عَلَى وَهَنِ

“مِنْ مَوْطِنِ الثّلْجِ” زَحّافاً ، إلَى .. “عَدَنِ”

خَبّتْ بِي الرِّيحُ فِي مُهْرٍ بِلا رَسَنِ