حنين

أحِنُّ إلى شَبَحٍ يَلْمَحُ

بِعينَيَّ أطيافُه تَمْرَحُ

أرى الشَّمْسَ تُشْرِقُ من وجهِهِ

وما بينَ أثوابِه تجنح

رضيِّ السّماتِ ، كأنَّ الضَّمير

على وَجْهِهِ ألِقاً يَطْفَح

كأنَّ العبيرَ بأردانهِ

على كلِّ ” خاطرةٍ ” يَنْفح

كأنَّ بريقَ المُنى والهنا

بعينيهِ عن كوكبٍ يقدح

كأنَّ غديراً فُويقَ الجبينِ عن

ثقةٍ في ” غدٍ” يَنْضَح

كأنَّ الغُضونَ على وَجْنَتيهِ

يكنُّ بها نغمٌّ مُفرِح

كأنَّ بهامتهِ منْبعَاً

من النُور ، أو جمرةً تجدح

كأنَّ ” فَنَاراً ” على ” كاهل “

يُنارُ بهِ عالَمٌ أفسح

وآخَرَ شُدَّتْ عليه يدٌ

فلا يَسْتَبينُ ! و لا تُفْتَح !

أحنُّ إليهِ بليغَ الصُمُوت

معانيهِ عَنْ نَفْسِها تُفْصِح

تَفايَضَ منهُ كموجِ الخِضمِّ

أو لحنِ ساجعةٍ تصدَح

جَمالٌ . وليسَ كهذا الجمال !

بما بهرَجَتْ زِينةٌ يُصْلَح

كأنَّ الدُّهورَ بأطماحِها

إلى خِلقةٍ مِثْلِهِ تَطْمَح

كأنَّ الأمورَ بمقياسهِ

تُقاسُ فتؤخذُ أو تُطرح

كأنَّ الوجوهَ على ضَوئهِ

نلوحُ فتَحْسُنُ أو تَقبح

يُداعِبُني إذ تَجِدُّ الخُطوبَ

فأمْزَحُ منها كما يَمْزَح

يُشَدُّ جَناني بعَزْماتهِ

ودمعي بِبَسْماتهِ يُمْسَح

ويُبْرِدُ نَفسي بأنفاسهِ

إذا لَفَّني عاصفٌ يَلْفَح

ويَطْرقُني كلَّما راودَتْ

ضميريَ فاحشةٌ ترشَح

وكِدْتُ أُطاحُ بإِغرائِها

فأحْدو ركائبَ مَنْ طُوِّحوا

فيمشي إليَّ وثِقْلُ الشُكوك

مُنيخٌ على النَفْسِ لا يَبْرَح

وقد أوشكَ الصَّبرُ أنْ يلتوي

ويَكسِرَهُ المُبْهِضُ المُتْرِح

وحينَ تكادُ شِغافُ الفؤاد

بِسِكّينِ مُطْمِعةٍ تُجْرَح

وإذْ يُركِبُ النَفْسَ حَدَّ الرَّدى

عِنانٌ من الشرِّ لا تُكبَح

وإذْ يعْصُرُ القلبَ حُبُّ الحياة!

وكأبوسُ حِرمانها المُفْدِح

فيرفعُ وجهي إلى وَجهِه

ويقرأُ فيه ويَسْتَوضِح

فأرجفُ رُعباً كأنَّ الحشا

تَخَطَّفَهُ أجدَلٌ أجدَح

وأفْهَمُ مِنْ نظرةٍ أنَّني

لشرٍّ فكَرْتُ بهِ أصْلُح !!

وأنَّ الضَّميرَ بغيٌّ يجيء

لها ” الَّليلُ ” ما ” الصُّبْحُ ” يَستقبِح

وأنْ ليسَ ذلكَ مِنْ دَيْدَنٍ

لِمَنْ هَمّهُ عالَمٌ أصْلَح

فأنهالُ لثماً على كفّهِ

وأسألُ عفواً وأسْتَصْفِح

أحِنُّ له : وكأنَّ الحياةَ

خضراءَ مِنْ دونه ، صَحْصَح

أحِنُّ له : وأحبُّ الكَرَى

لسانحةٍ منهُ قد تَسْنَح

أحِنُّ له : ليسَ يَقْوَى النَّعيمُ

وكُلُّ لذاذاتهِ مُرْبِح

ولا كلُّ ما نَهَزَ الناهِزون

من المُمتِعاتِ وما استَنْزَحوا

ولا كلُّ ما أمَّلَ الآمِلون

ولا مُخْفِقٌ منهُ ، أو مُنْجَح

لِتَعْدلَ مِنْ ثَغْرهِ بسمةً

بها نَسْمةُ الخْلدِ تُسْتَرْوَح

فيا ليتني بعضُ أنفاسهِ

لأمْنَحَ مِنْهُنَّ ما يُمْنَح

ويا ليتني ” ذرّةٌ ” عندَه

لأسْبَحَ في فَلَكٍ يَسْبَح

أحنُّ إلى شبحٍ يلمحُ

بعيَنَّي أطيافُه تَمْرَح