عمر الفاخوري

رِثاؤُكَ ما أشَقَّ على لساني

ورُزْؤك ما اشدَ على جَنابي

وكيفَ يُطيقُ عن ألمٍ بياناً

ثكولٌ شَلَّ منهُ الأصغَران

وفَقدُكَ ما أمضَّ وقد توَّلتْ

جِيادُ النصرِ خَوضَ المعمعان

وشرقٌ كنتَ أمسِ لَهُ سِراجاً

كثيفُ الجْوِّ منتشرُ الدخان

تَهاوَى الطامعونَ على ثَراهُ

كما اختلفَ الذُبابُ على خِوان

تَعبَّسُ من مَزاحِفِهِمْ ثغورٌ

وتنتَفِضُ المشارفُ والمواني

وما أنبا مَصيرَكَ عن مصيري

وما أدنى مكانَكَ من مكاني

أصخْتُ لِمَنْ نعاك على ذُهولٍ

كأنيَ قد أصختُ لمَنْ نعاني

وكنتُ أُحِسُّ أنَّ هناك رُزْءاً

وأجهاُ كُنْهَهُ حتّى دهاني

صفَقْتُ براحتَيَّ منِ التياعٍ

وهل أدنتْ بعيداً راحتان؟!

ورُحْتُ ، وأيُّ جُرحٍ في فؤادي

مغالَطةً ، أعَضُّ على البَنان

وعانَقَني من الذِكْرَى خيالٌ

كسيرُ النَفْسِ يَشْرَقُ بالهوان

تسيلُ دماً جوانِبُهُ اشتياقاً

إلى اللَّمَحاتِ والمُتَعِ الحِسان

إلى تلك الليالي مُشرِقاتٍ

بها ” لُبنانُ” مُزدَهِرُ المغاني

إلى سَمَرٍ كأنَّ عليه مما

تَنِثُّ مِن الشذا عَبَقَ الجِنان

خيالٌ رُحتُ من يأسٍ وحِرصٍ

أُسَلّي النفْسَ فيه عن العِيان

أثارَ لِيَ العواطِفَ من عنيفٍ

ومُصْطَخِبٍ ، ومُرْتْفِقٍ ، وحاني

وفكَّ من الأعِنَّةِ ذكرياتٍ

تَهُزُّ النفْسَ مُطلَقةَ العِنان

لمَمْتُ عُطورَها فشمِمْتُ منها

شذا الغَضَبِ المطَهَّرِ والحَنان

كِلانا مَعوِزٌ نُطْقاً عليهِ

طيوفُ الموتِ مُلقِيةُ الجِران

لَعَنْتُ اللفظَ ما أقسَى وأطْغَى

وما أعْصَى على صوَرِ المعاني

تقاضاني بيومِكَ تَرْجُماناً

وكنتُ ألوذُ منه بِتَرجُمان

فيا ” عُمَرَ ” النضالِ إذا تشكَّى

شُجاعُ القَلْبِ منَ خَوَرِ الجْبان

ويا ” عُمَرَ ” البيانِ إذا تغذَّى

عِجافُ النَشءِ بالفِكَرِ السِمان

ويا ” عُمَرَ ” الوفاءِ إذا تَخلّى

فُلانٌ في الشدائِد عنْ فُلان

ضُمِنتَ مِن الردى لو كانَ طَولٌ

وأينَ القادِرونَ على الضَّمان

وانَّا والحياةُ إلى تبابٍ

وكلُّ تَجَمُّعٍ فإلى أوان

لمحتربونَ أن نُمسي ونُضحي

وأنت بمعزِلٍ خالي المكان

أسيِتُ لعاكِفينَ عليكَ حُبَّاً

ومُخْتَصينَ فضلَكَ باحتضان

رفاقكَ يومَ مُزدَهرِ الأماني

ودِرْعِكَ يومَ مُشْتَجرِ الطِعان

حببتُكَ باسِماً والهمُّ يَمشي

على قَسَماتِ وجهِك باتِّزان

تُغالِبُه وتَغْلِبُه إباءً

كأنّكَ والهمومَ على رِهان

يُزَمُّ فمٌ فما تُفْضي شِفاهٌ

ويَخفى السِرُّ لولا المُقلتان

على مُوقَيهِما مَرَحٌ ولُطْفٌ

وإنساناهما بكَ مُتعبان

يفيءُ الصَحْبُ منك إلى وريفٍ

لطيفِ الظِلِّ خفَّاقِ المجاني

تَفيضُ طَلاقةً وتذوبُ رِفقاً

ووحْدَكَ أنتَ تدري ما تُعاني

وما أغلى الرجولةَ في شِفاهٍ

مُغَلَّفةٍ على ألمٍ ” مُصان “

وعامِرةِ المعاني مُنتَقاةٍ

بها الكلِماتُ شامِخةُ المباني

فتقتَ الذِهنَ فيها عن طَريفٍ

يُشِعُ اللفظُ فيهِ عن جُمان

يَمُدُّك عَبْقَرٌ فيها وتُجبى

لكَ الخطَراتُ من قاصٍ وداني

أثرْتَ سُطورَها وذهبتَ عنها

فهُنَّ إليكَ من مَضَضٍ رواني

أبا ” الخَطابِ ” رانَ عليكَ ليلٌ

عقيمُ الفجرِ لا يتلوهُ ثاني

وأُغْمِضَتِ الجْفونُ على شَكاةٍ

تُدَغْدغُها من البُشرى أماني

أمانٍ يسودَ الناسَ حُكْمٌ

يَبيتُ الفردُ منهُ على أمان

فلا تبعَدْ وإن أخنى فَناءٌ

وما مُبقٍ مآثِرَهُ بفاني

ورهْنُ الخُلدِ أضْرِحَهٌ عليها

قُطوفُ الفِكرِ يانِعةٌ دواني

بكى ” بَرَدَى ” عليكَ بفيض دمعٍ

ومجَّ النيِلُ فيضاً من بيان

وجِئتُ أغُضُّ طَرْفيَ عن حياءٍ

فهذا ما يمُجُّ ” الرافدانِ ” !

إذا ما الحُزنُ طاوَعَ في مصابٍ

فانَّ الشِعرَ يُعْذَرَ في الحِران