فلسطين

دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ

وتيهاً بالجِراحِ وبالضِّمادِ

ورَشْفاً بالثغورِ من المَواضي

وأخذاً بالعِناق من الجِهاد

وَعبّاً مِن نميرِ الخُلد يَجري

لِمُنْزَفَةٍ دِماؤُهم صَوادي

وَتَوطيناً على جَمرِ المنايا

وإخلاداً إلى حَرِّ الجِلاد

وَإقداماً وإنْ سَرَتِ السَواري

بما يُشجي وإن غدتِ الغوادي

وبذلاً للنفيِس مِن الضحايا

فَأنْفَسُ منهم شَرفُ البلاد

حُماةَ الدارِ مسَّ الدارَ ضُرٌّ

ونادى بافتقادكُمُ المُنادي

أرادَتْكُمْ لِتكفوها فُلُوْلاً

مُعرِّزةٍ كأرتالِ الجَراد

وشاءتْكُمْ لتنهطِلوا عليها

هُطولَ الغيثِ في سَنةٍ جَماد

وطافَ عليكُمُ حُلُم العَذَارَى

مُروَّعةً كُحِلْنَ مِن السُهاد

يَشُوْقُ الذائدينَ على المَنايا

نداءُ العاجزاتِ عنِ الذياد

تطَلعَتِ العيونُ إلى خُيولٍ

مُحجَّلةٍ مُنشَّرَةِ الهوادي

خبَرْنَ رَحَى الوغَى فعن اعتِسافٍ

يَدُرنَ مدارَها وعنِ اعتماد

إذا الرِجّلانِ مسَّهما لُغوبٌ

شأتْ بهما اليدانِ عن ارتِداد

عليها كلُّ أُغلَبَ أرقميٍ

يَبيسِ العَينِ ريّانِ الفؤاد

زَوَتْ ما بين جَفْنَيْهِ هُمومٌ

نَفَتْ عن عينهِ دَرَنَ الرُقاد

وشدَّتْ خافِقَيهِ فلن يَرِّفا

إذا التقيا على الكُرَبِ الشِّداد

وكلُ مُسَعَّرِ الجَمراتِ يُكسَى

من الغَبَراتِ ثوباً من رماد

تَمرَّسَ بالحُتوف فلا يُبالى

أحادَتْ عنهُ أم عَدَتِ العوادي

ويا جُثَثاً يَفوحُ المجدُ مِنها

فتَعَبقُ في الجبالِ وفي الوِهاد

سَقَتْكِ الصائباتُ مِن التَّحايا

مُعطَّرَةً فما صَوبُ العِهاد

أعزُّ الناسِ في أغلى مماتٍ

وَخيرُ الزرعِ في خيرِ الحَصِاد

ويا مُتَقربين إلى المنايا

يَشُقُّ عليِهمُ وطءُ البِعاد

رأيتُ الجودَ ملهاةً يُجازَى

بها اللاهي بحَمْدٍ مُستفاد

ومُتَّجَراً يدُرُّ المجدَ ربحاً

لكُل مُسلِّفٍ بِيضَ الأيادي

يُؤدِّي الناسُ ما وَهَبَتَْ كِرامٌ

وتدفَعُهُ المحافِلُ والنّوادي

ولكِنْ ثَمَّ للبلوى مِحَكٌّ

تَميزُ به البخيلَ مِنَ الجواد

هُنالِكَ إذ يَشُقُّ على المفدَّى

فَكاكُ إسارِهِ منْ كفِّ فادي

تفيضُ النفسُ لا تدري جزاءً

ولا تبغي – إلى يوم المعاد

ولا يَختَالُ – صاحبُها ازْدِهاءً

بما أسدى – على هامِ العباد

وروحٍ من ” صلاح الدّينِ ” هَبَّتْ

من الأجداثِ مُقلَقَةَ الوِساد

تَسَاءَلُ هل أتَتْ دوَلٌ ثمانٍ

ضِخامٌ ما أتاه على انفراد

وما أضفى الحديثُ على قديمٍ

وما ألقى الطَريفُ على تلاد؟

وما عِند الدُهاة منِ انْتقامٍ

ومن أخْذٍ بثأرٍ مُستقاد؟

وهل ضاقوا وهمْ كُثْرٌ ذِراعاً

بداهيةٍ نهضتُ بها دَآد

مَشَيْتُ بطبِّها عَجِلاً فطابت

عواقُبها ، وساروا باتِئاد

بلى كانوا ومَنْ عادَوْا تبيعاً

وكنتُ المستقِلَّ ومَن أُعادي

ومعتدّاً وما تُجدي حياةٌ

إذا خلتِ النفوسُ مِن اعتِداد

حَماةَ الدّارِ لم تَتْركْ لشعري

فِلَسْطينٌ سوى كَلِمٍ مُعاد

بَكَيْتُ مصابَها يَفَعاً ووافَتْ

نِهايَتهُا وخَمْسونٌ عدادي

قَدَحْتُ لها رَويَّاً من زِنادِي

وصُغْت لها رَّوِيَّا من فؤادي

وألقَيْتُ الظِِلالَ على القوافي

عليها يصْطَفقْنَ مِنِ ارتعاد

وهل عندي سوى قلبٍ مريرٍ

أُذَوِّبُهُ بكأسٍ مِن سُهاد

حماةَ الدارِ إنّي لا أُماري

وإن قلتُ الجديدَ ولا أُصادي

وليس تملُّقُ الجُمْهورِ مني

ولا التَّضْليلُ من شيمي ونادي

حماةَ الدارِ من عشرينَ عاماً

تقضَّتْ فاتَنا يومُ التَّنادي

دعانا وعدُ بلفورٍ وثنّى

وثلّثَ صائحُ البلدِ المُذاد

ونادتْنا بألسِنَةٍ حِدادٍ

دِماءٌ في قرارةِ كلِّ وادي

ومَوجاتٌ من الكُرَبِ الشدادِ

تراوَحُ بانتقاصٍ وازدياد

فكنّا نسْتَنِيمُ إلى قُلوبٍ

قَدَدْناها من الصُّمَ الصِلاد

وكنّا نستجير إلى زعيمٍ

كلِيلِ السيفِ لمّاع النِّجاد

كَذوبِ الدَّمع يسمَنُ في الرَّزايا

ويَدْعَرُ وهو يَرْفُلُ في الحِداد

وكنا نمتطي مُهْرَ الطِراد

فِلَسْطيناً إلى يومِ اصطياد

وكانَتْ دَلْوَ نّهازين مدّوا

بها واستنفدوا ملء المزاد

وَعَدْناها بثأرٍ مستقادِ

ومجدٍ قد أضَعنا مُسْتَعاد

بتصريحٍ وصاحبِه مفادِ

وتصريحٍ يَظَلُّ بلا مفاد

ومؤتمرٍ تعجَّلَ عاقدوه

ومؤتمرٍ سيؤذِنُ بانعقاد

حماةَ الدارِ ما النَّكساتُ سِرٌّ

ولا شيءٌ تَلفَّفَ في بِجَاد

ولا لُغْزٌ يَحارُ المرءُ فِيهِ

فَيَجهلُ ما سُداسٌ مِنْ أُحَاد

ولكِن مِثلَما وَضَحتْ ذُكاءٌ

ونَوَّرَ حاضِرٌ منها وبادي

فما ذَهبَتْ فِلَسطينٌ بسحر

ولا كُتِبَ الفناءُ بلا مِداد

ولا طاحَ البِناءُ بلا انحرافٍ

ولا بَنَتِ اليهودُ بلا عِماد

وما كنتْ فِلَسْطينٌ لِتَبقى

وجيرتُها يُصاحُ بها بَداد

وسِتُّ جِهاتِها أخذت بجوعٍ

وجهلٍ ، واحتقارٍ ، واضطهاد

شعوبٌ تستَرقُّ فما يُبَقّي

على أثرٍ لها ذُلُّ الصِّفاد

تُساطُ بها المواهِبُ والمزايا

وتُحتَجزُ العقائدُ والمبادي

وتَطْلُعُ بينَ آونةٍ وأُخرى

” بحجَّاج ” يُزَيَّفُ أو ” زياد “

فَيُذوي الخَوفُ منها كُلَّ خافٍ

ويُصمي الجَوْرُ منها كلَّ بادي

وتُنتَهَبُ البلادُ ومِنْ بَنيها

يَؤوبُ الناهبون إلى سِناد

وتَنطلِقُ المطامعُ كاشراتٍ

تُهدِّدُ ما تُلاقي بازدراد

وتَنطبِقُ السُّجونُ مُزمجراتٍ

على شبَهٍ ، وظَنٍّ ، واجتهاد

حُماةَ الدارِ ، ما ميدانُ حَربٍ

بأعنفَ من مَيادينِ اعتقاد

فَمثلُكُمُ من الأرواح جسمٌّ

تُقاسي الموتَ من عَنَتِ الجهاد

وأخلاقٌ تضيق بِمُغْرياتٍ

شدادٍ في خُصومَتها لِداد

تَكادُ تَطيحُ بالعَزماتِ لولا

رُجولَةُ قادرينَ على العِناد

رُجولةُ صائمينَ ولو أرادوا

لكانوا الطاعمينَ بأيّ زاد

ومَعركةٍ يَظَلُّ الحقُّ فيها

يُسالِمُ أو يُهادِنُ أو يُبادي

وميدانٍ وليس لنازليهِ

سوى الصَّبرِ المثلَّم من عَتاد

وكانتْ في السُّطوحِ مَزعزَعاتٍ

خُطوطٌ يرْتَسِمْنَ منَ الفَساد

فها هي فرطَ ما جَنَتِ الجواني

إلى عُمقٍ تَغَّورُ وامتداد

لقَد شبَّتْ عنِ الطَّوقِ المخازي

وكانَتْ بنتَ عامٍ في مِهاد

حُماةَ الدارِ ، لولا سُمُّ غاوِ

أساغَ شَرابَه فَرطُ التمادي

وَلَوْغٌ في دم الخِلِّ المُصافي

فقل ما شِئتَ في الجنِفِ المُعادي

ولبَّاسٌ على خَتَلٍ وغَدْرٍ

ثيابَ الواقفينَ على الحِياد

وَخِبٌ لا يُريكَ متى يُواتي

فتأمنَ سرَّهُ ومتى يُصادي

تَطلّعُ اذ تَطلّعُ في رَخِيٍّ

وتَقرَعُ حين تَقرعُ في جَماد

ولولا نازلونَ على هواه

سُكارَى في المحبّةِ والوداد!

نَسُوْا – إلا نفوسَهُمُ – وهامُوا

غراماً حيثُ هامَ بكلِّ واد

أجرّهُمُ على ذَهبٍ ، فَجرّوا

فِلسطيناً على شوكِ القَتاد

وقادُوها له كَبْشَ افتداءٍ

صنيعَ الهاربينَ منَ التّفادي

لكنتم طِبَّ عِلَتِها ، وكانت

بكم تُحدَى على يدِ خيرِ حادي

حُماةَ الدارِ لم تَزَلِ اللّيالي

يُطوِّحُ رائحٌ منها بغادي

ولا تَنفكُّ داجيةٌ بأخرى

تَعثَّرُ لم يُنِرهْا هَدْيُ هادي

ولا تألو الضلالَةُ وهي سِقطٌ

تُكابرُ أنّها أمُّ الرَّشاد

حماةَ الدار كلُّ مَسِيلِ ظُلمٍ

وإن طالَ المدى فإلى نَفاد

وكلُ مُحتَشَّدٍ فإلى انِفِضاضٍ

وكلُ مُفرَّقٍ فإلى احتشاد

فصبراً ينكشِفُ ليلٌ عميٌ

وينَحسرِ البياضُ عن السواد

وتَتَضِحِ النفوسُ عن الخبايا

ويُفصِحُ مَنْ يُريدُ عن المراد

وتَندفِعِ الشعوبُ إلى محجٍّ

مُبينِ الرُشدِ موثوقِ السَّداد

وتُؤذنْ جذوةٌ إلى انْطِفاءٍ

يَؤولَ مآلُها أم لاتّقاد

ومهما كانتِ العُقبى فَلستُمْ

بمسؤولينَ عن غيبٍ مُراد