لبنان

أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي

يا سُهولاً تَدَثَّرَتْ بالهِضابِ

غسَلَ البحرُ أخْمَصَيْها ، ورشَّتْ

عبِقاتُ النَّدى جِباهَ الرَّوابي

واحتواها ” صِنّينُ ” بينَ ذِراعيه

عجوزاً له رُواءُ الشَّباب

كلَّلتْ رأسَهُ ” الثّلوجُ ” ، ومسَّتْهُ

بأذيِالها مُتونُ السَّحاب

وانثنى ” كالاطار ” يحتضِنُ الصّورةَ

تُزْهَى ، أو جَدْولٍ في كتاب

كلَّما غامَ كُربةً من ضَبابٍ

فرَّجَتْ عنه قُبْلةٌ من شِهاب

وبدَتْ عندَ سفحِه خاشِعاتُ

الدور مثل ” الزٍّميت ” في مِحراب

وحواليَهِ من ذَراريهِ أنماطٌ

لِطافٌ ، من مُسْتَقِلٍّ وكابي

و ” القُرَيَّاتُ ” كالعرائس تُجْلى

كلَّ آنٍ تلوحُ في جِلباب

منْ رقيقِ الغُيوم تحتَ نِقابِ

ومِنَ الشَّمسِ طلقةً في إهاب

وهي في الحالتين فِتنةُ راءٍ

بينَ لونينِ من مُشِعٍّ وخابي

والبيوتُ المُبَعْثراتُ ” نَثارُ “

العُرس مبثوثةً بدونِ حساب

وتراها بينَ الخمائلِ تلتفُّ

عليها ، عمارةً في غاب

وتماسَكْنَ – والطبيعةُ شِعرٌ

كقوافٍ يَلْمَعْنَ غيرَ نوابي

زهوُ حُمْرِ القبِاب في الجبَلِ الأخضرِ

يَسبي كزهو أهلِ القباب

و ” الكرومُ ” المُعرِّشاتُ حُبالى

مُرضِعاتٌ كرائمَ الأعناب

حانياتٌ على ” الدوالي ” تُحَلِّينَ

عناقيدَ زينةً للكعاب

رافعاتُ الرءوسِ شُكْراً ، وأُخرى

ساجداتٌ شُكْراً على الأعتاب

سِلْنَ في الحَقْل مثلَ رُوحٍ لجسمٍ

وتمدَّدْنَ فيهِ كالأعصاب

وتصايَحْنَ: أين .أينَ النَّدامى ؟

وتغامَزْنَ ثَمَّ للأكواب

وتخازَرْنَ والمَعاصِرُ أبصاراً

حِداداً مَلِيئةً بالسّباب

نَظَراتٍ كانت خِطاباً بليغاً

ولدى ” العاصرينَ ” فحوى الخطاب

إنَّ خيرَ الشُهورِ إرثاً لشهرٍ

ما تَلقَّى ” أيلولُ ” من شهرِ ” آب”

كيفَ لا ترقصُ الطبيعةُ في أرضٍ

ثراها مُخَضَّبٌ بالشراب

غاضَ ” نبعُ ” النَّهارِ يُؤْذنُ ضوء البدرِ

قد فاضَ نبعهُ بانسِكاب

وانزوَتْ تلكُمُ الخليعهُ ! طولَ اليومِ

” عُريانةً ” وراءَ حجاب

وأتتْ في غَيابةِ ” الشَّفَقِ “الأحمرِ

ما تشتهي مِنَ الألعاب

أي لونٍ ألقتْ على الأرضِ حَلَّى

كلَّ ما فوقَها ، وأيَّ خِضاب

هدأ الحَقْلُ والمدينةُ والغابُ

ودوَّى الصَّدى ورَجْعُ الجواب

ثمَّ سدَّ الدُروبَ جيشُ ” الكَدودين “

طَوالَ النَّهارِ في أتعاب

حبَّذا منظرُ ” الفؤوس ” استراحتْ

في ” نِطاقِ ” الفلاَّحِ والحطَّاب

واستقلَّ الجبالَ ” راعي ” غُنَيْماتٍ

يُدَوّي ” بزجلَةٍ ” و ” عتاب”

يا مَثارَ الأحلامِ ، يا عالَمَ الشّعر

طريّاً ، يا جَنَّةً من تراب

يا خيالاً لولا الحقيقةُ تُنبي

عنه كنَّا من أمرهِ في ارتياب

حسبُ نفسي من كلِّ ما يأسِرُ النَّفْسَ

اغتِراراً من الأماني العِذاب

هجعةٌ في ظِلال ” أرزِكِ” تَنفي

مِن هُمومي ووَحشتي واكتئابي

وصديقي وحشٌ أعزُّ وأوفى

من حسودٍ ، ومن صديقٍ محابي

لا أقولُ ” العدوُّ ” إنَّ عِداتي

” نَسَبٌ ” واضحٌ من الأنساب؟!

كلَّما شاقني التأملُ لفتَّني مجاري

المياهِ بينَ الشِّعاب

بينَ صفَّيْ ” صَنَوْبرٍ ” كشُعورِ الغيد

لُمَّتْ على قُدودٍ رِطاب

آيةُ اللهِ عندَ لُبنانً َ هذا الحسنُ

في عامرٍ له وخراب

رُبَّ ” وادٍ ” بادي المقاتِلِ تعلوهُ

الأخاديدُ كالجروح الرِّغاب

كانَ في سِحرهِ كآخَرَ زاهٍ

مستفيضِ المياهِ والأعشاب

وفِجاجٍ مَغْبَرّةٍ كُنَّ أبهى

روعةً من مُفَيَّحاتٍ رِحاب

قلتُ إذ حِرتُ : أيُّ أرض لها الفضلُ

على غيرها وحارَ صِحابي !

أدْخُلوا ” جنَّةَ ” النَّعيم تُلاقوا

ألفَ ” رضوانَ ” فاتحاً ألفَ باب

غيرَ أنّي أنكرتُ في جنَّةِ الفِردوسِ

“ربّاً ” مُوَكَّلاً بعذاب!

إيهِ ” لُبنانُ ” ، والحديثُ شجونٌ

هل يُطيقُ البيانُ دَفعاً لما بي ؟

حارَ طيَّ الَّلهاةِ مّني سؤالٌ

أنا أدرى بردِّهِ والجواب!

ما تقولونَ في أديبٍ ” حريبٍ!”

” مُسْتَقلٍّ ” يلوذُ بـ ” الانتداب” ؟

خلتُ أني فررْتُ مِن ” جوِّ بغدادَ “

وطُغيانِ ” جَوْرها ” الَّلَّهاب

ومِنَ البغيِ والتَّعَسّفِ والذُّلِّ

فظيعاً مُحَكَّماً في الرّقاب

ومِنَ الزّاحفينَ كالدُودِ ” هُوناً “

تحتَ رِجليْ ” مسْتَعْمِرٍ ” غَلَّاب

ومنَ” الصَّائلينَ ” في الحُكْمِ زُوراً

كخيولٍ ” مُسوَّماتٍ ” عراب

خِلْتُ أنّي نجوتُ مِنْ ذا ومن

بَطشةِ عاتٍ ، وخائنٍ كذّاب

غانماً ” سَفرتي ” وها أنا في حالٍ

تُريني غنيمتي في الإياب

أفيَبْقَى ” الأحرارُ ” مِنَّا ومِنكُم

بينَ سَوْطِ ” الغريبِ ” والإرهاب؟